سمعت من النساء تحيض نساء تهامة، يحضن لتسع سنين - أي تقريبا لا تحديدا - فيسامح قبل تمامها بما لا يسع حيضا وطهرا دون ما يسعهما. وقيل: أقله أول التاسعة، وقيل: مضي نصفها. ولو رأت الدم أياما بعضها قبل زمن الامكان وبعضها فيه جعل الثاني حيضا إن وجدت شروطه الآتية. (وأقله) زمنا (يوم وليلة) أي مقدار يوم وليلة، قال الشارح: متصلا كما يؤخذ من مسألة تأتي آخر الباب، يعني أن أقل الحيض من حيث الزمان مقدار يوم وليلة على الاتصال، وليس المراد أنه لا بد في زمان الأقل من يوم وليلة يتوالى فيهما الدم من غير تخلل نقاء كما يوهمه لفظ الاتصال، بل المراد أنها إذا رأت دماء ينقص كل منها عن يوم وليلة إلا أنها إذا اجتمعت كانت مقدار يوم وليلة على الاتصال كفى ذلك في حصول أقل الحيض، والمسألة الآتية هي قوله: والنقاء بين أقل الحيض حيض، وهما أربعة وعشرون ساعة، وهذا ما قاله الشافعي في عامة كتبه ونص في موضع على أن أقله قدر يوم فقط، وقيل: دفعة كالنفاس، وهو غريب. (وأكثره خمسة عشر) يوما (بلياليها) وإن لم تتصل الدماء. والمراد خمس عشرة ليلة وإن لم يتصل دم اليوم الأول بليلته كأن رأت الدم أول النهار للاستقراء، وأما خبر: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فضعيف كما في المجموع. (وأقل طهر بين الحيضتين) زمنا (خمسة عشر) يوما، لأن الشهر غالبا لا يخلو عن حيض وطهر، وإذا كان أكثر الحيض خمسة عشر لزم أن يكون أقل الطهر كذلك. وخرج بقوله: بين الحيضتين الطهر بين الحيض والنفاس، فإنه يجوز أن يكون أقل من ذلك سواء أتقدم الحيض على النفاس أم تأخر عنه، وكان طروه بعد بلوغ النفاس أكثره كما في المجموع، أما إذا طرأ قبل بلوغ النفاس أكثره فلا يكون حيضا إلا إذا فصل بينهما خمسة عشر يوما. وسكت المصنف عن غالب الحيض وذكر غالب النفاس كما سيأتي، وغالب الحيض ست أو سبع وباقي الشهر غالب الطهر، لخبر أبي داود وغيره: أنه (ص) قال لحمنة بنت جحش رضي الله تعالى عنها: تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن أي التزمي الحيض وأحكامه فيما أعلمك الله من عادة النساء من ستة أو سبعة، والمراد غالبهن لاستحالة اتفاق الكل عادة.
(ولا حد لأكثره) أي الطهر بالاجماع، فقد لا تحيض المرأة في عمرها إلا مرة وقد لا تحيض أصلا، حكى القاضي أبو الطيب أن امرأة في زمنه كانت تحيض كل سنة يوما وليلة وكان نفاسها أربعين، وأخبرني من أثق به أن والدتي كانت لا تحيض أصلا وأن أختي منها كانت تحيض في كل سنتين مرة ونفاسها ثلاثة أيام، بعد موتهما. ولو اطردت عادة امرأة بأن تحيض أقل من يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر لم يتبع ذلك على الأصح، لأن بحث الأولين أتم، واحتمال عروض دم فاسد للمرأة أقرب من خرق العادة المستمرة. ثم شرع في أحكام الحيض فقال: (ويحرم به) أي بالحيض (ما حرم بالجنابة) من صلاة وغيرها لأنه أغلظ، ويدل على أنه أغلظ منها أنه يحرم به ما يحرم بها. (و) أشياء أخر. أحدها: (عبور المسجد إن خاف تلويثه) صيانة للمسجد عن النجاسة، فإن أمنته جاز لها العبور كالجنب لكن مع الكراهة كما في المجموع. ولا خصوصية للحائض بهذا، بل كل من به نجاسة يخاف تلويث المسجد منها مثلها كمن به سلس البول واستحاضة ومن بنعله نجاسة رطبة، فإن أراد الدخول به فليدلكه قبل دخوله. (و) ثانيها: (الصوم) للاجماع على تحريمه وعدم صحته.
قال الإمام: وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه، لأن الطهارة ليست مشروطة فيه. وهل وجب عليها ثم سقط أو لم يجب أصلا وإنما يجب القضاء بأمر جديد؟ وجهان، أصحهما الثاني، قال في البسيط: وليس لهذا الخلاف فائدة فقهية.
وقال في المجموع: يظهر هذا وشبهه في الايمان والتعاليق بأن يقول متى وجب عليك صوم فأنت طالق. وأظهر غيره فوائد أخر على ضعيف. (ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة) لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: كان يصيبنا ذلك - أي الحيض - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه، وانعقد الاجماع على ذلك. وفيه من المعنى أن الصلاة تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم. وقد أعاد المصنف مسألة الصلاة في أوائل الصلاة، وهل يحرم قضاؤها أو يكره؟ فيه خلاف ذكره في المهمات، فنقل فيها عن ابن الصلاح والمصنف عن البيضاوي أنه يحرم، لأن عائشة رضي الله تعالى عنها