النضج والاستفراغ للأخلاط فلا بأس أن يستعمل الحمام وشرب الشراب الرقيق الممزوج والتمريخ بالادهان المحللة فإذا استعملت القوانين المذكورة في أول عروض الحمى فيجب بعد ذلك أن تشتغل بالانضاج والاستفراغ الذي ليس على سبيل التقليل والتجفيف وقد ذكرناه بل على سبيل قطع السبب ولا تستفرغ المادة غير نضيجة في حار أو بارد الا لضرورة فربما كثر الاستفراغ من غير الخلط الغير المتهئ للاستفراغ بالنضج وربما خلط الخبيث بالطيب لتحريك الخبيث من غير انضاجه ولا تصغ إلى الرجل الذي زعم أن الغرض في الانضاج الترقيق والخلط الحاد رقيق لا حاجة إلى ترقيقه الامر كما يقوله بل الغرض في الانضاج تعديل قوام المادة حتى تصير متهيئة للدفع السهل والرقيق المتسرب والغليظ الناشب واللزج اللحج كل ذلك غير مستعد للدفع السهل بل يحتاج أن يثخن الرقيق قليلا ويرقق الثخين قليلا ويقطع اللزج ولو أن هذا الرجل لم يسمع في كلام المتقدمين في النضج شيئا من قبيل ما قلناه وتأمل حال نضج الأخلاط المنفوثة أن الرقيق منها يحتاج أن يخثر والخاثر يحتاج أن يرقق لكان يجب أن يهتدى منه ولم ليس يتأمل في نفسه فيقول ما بال القواريز في الحميات الحادة لا تكون في ابتدائها ذات رسوب ثم تصير ذات رسوب وهل الراسب المحمود شئ غير الخلط الفاعل للمرض وقد نضج فلم ليس يندفع في أوائل الامر ان كانت الرقة هي الغاية المقصودة في النضج فمن الواجب أن يكون في أوائل حميات الدم والصفراء رسوب محمود فان كانت الطبيعة لا يمكنها دفع ذلك الفضل الا بعد وقت يصير فيه مستعدا للدفع في البول فكذلك الصناعة يجب أن يعلم أن استفراغها للخلط قبل مثل ذلك الوقت الذي يظهر فيه النضج في القارورة ممتنع أو متعسر مستصعب وربما حرك ولم يفعل بلا غاور بما خلط الخبيث بالطيب وكان الأولى بهذا الانسان أن يحسن الظن بمثل جالينوس وأبقراط فيما رسمه من هذا أو يتأمل فضل تأمل ثم يرجع إلى المناقضة فان مناقض الأولين وهو على الحق معذور ولكن الأولى به ان ينعم النظر أولا وأظن أن هذا الرجل اتفقت له تجارب أنجعت في هذا الباب فركن إليها وأمثال هذه التجارب التي ليست على القوانين قد يتفق لها أن لا تنجح ولا واحد ويتفق لها أن لا تتحقق ولا واحد فهذا هو الواجب فاما ان كانت المادة كثيرة متحركة منتقلة من عضو إلى عضو وظننت أنه لا مهلة إلى نضجها أو ربما حدثت منها أورام سرسامية وغير ذلك ولو تركت أوقعت في خطر قبل الزمان الذي يتوقع فيه نضجها وذلك أطول من الزمان الذي يتوقع فيه نضج المعتدل لا محالة فلا بد من استفراغها فان الخطر في ذلك أقل من الخطر فيها ومع ذلك فان الطبيعة تكون متحركة إلى دفعها لكثرة أذاها فإذا أعينت وافقها الإعانة فلا بد منه واعلم أن الفصد ليس من قبيل ما ينتظر فيه النضج انتظاره في المسهلات وانما ينتظر النضج في الأخلاط الأخرى وإذا تأخر الفصد عن ابتداء العلة فلا تفصد في انتهائها إذ لا معنى له وربما أهلك بموافاته ضعف القوة وكذلك ان خفت غلبة من الخلط وأوجب الاحتياط الاستفراغ وان لم يكن نضج فلا تحرك الا في الابتداء وأما عند الانتهاء فلا تحرك شيئا حتى يغلب الطبيعة وينضج فان لم تتحرك هي حركت أنت وفق تحريكها وان كانت هي تتحرك أو تحركت فدعها وفعلها وهذا هو الذي يسميه أبقراط هاجئا حين قال ينبغي أن يستعمل الدواء المسهل بعد أن ينضج المرض فاما في أول المرض فلا ينبغي أن يستعمل ذلك الا أن يكون
(٢٣)