تقليلنا مما في الأمراض الحادة لان عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر لأنا نعلم أن بحرانها بعيد ومنتهاها بعيد فإذا لم تحفظ القوة لم تف بالثبات إلى وقت البحران ولم تف بنضج ما تطول مدة انضاجه وأما الأمراض الحادة فان بحرانها قريب ونرجو أن لا يخون القوة قبل انتهائها فان خفنا ذلك لم نبالغ في تقليل الغذاء وكلما كان المرض فيها أقرب من المبتدا والاعراض أمكن غذاؤنا مقوين للقوة وكلما جعل المرض يأخذ في التزايد وتأخذ الاعراض في التزايد قللنا التغذية ثقة بما أسلفنا وتخفيفا عن القوة وقت جهاده وعند المنتهى نلطف التدبير جدا وكلما كان المرض أحد والبحران أقرب لطفنا التدبير أشد الا أن تعرض أسباب تمنعنا من ذلك كما سنذكره في الكتب الجزئية وللغذاء من جهة ما يغذى به فصلان آخران هما سرعة النفوذ كحال الخمر وبطء النفوذ كحال الشواء والقلايا وأيضا نحو قوام ما يتولد منه من الدم واستمساكه كما يكون من حال غذاء لحم الخنازير والعجاجيل أو رقته وسرعة تحلله كما يكون من حال الغذاء الكائن من الشراب ومن التين ونحن نحتاج إلى الغذاء السريع النفوذ إذا أردنا أن نتدارك سقوط القوة الحيوانية وننعشها ولم تكن المدة أو القوة تفي ريث هضم الغذاء البطئ الهضم ونحن نتوقى الغذاء السريع الهضم إذا اتفق ان سبق غذاء بطئ الهضم فنخاف أن يختلط به فيصير على النحو الذي سبق منا بيانه ونحن نتوقى الغليظ عند ايقاننا حدوث السدد لكننا نؤثر الغذاء القوى التغذية البطئ الهضم لمن أردنا أن نقويه ونهيئه للرياضات القوية ونؤثر الغذاء السخيف لمن يعرض له تكاثف المسام سريعا وأما المعالجة بالدواء فلها ثلاثة قوانين أحدها قانون اختيار كيفيته أي اختباره حارا أو باردا أو رطبا أو يابسا والثاني قانون اختيار كميته وهذا القانون ينقسم إلى قانون تقدير وزنه وإلى قانون تقدير كيفيته أي درجة حرارته وبرودته وغير ذلك والثالث قانون ترتيب وقته اما قانون اختيار كيفية الدواء على الاطلاق فإنما يهتدى إليه بالوقوف على نوع المرض فإنه إذا عرف كيفية المرض وجب أن يختار من الدواء ما يضاده في كيفيته فان المرض يعالج بالضد والصحة تحفظ بالمشاكل وأما تقدير كميته من الوجهين جميعا فيعرف على سبيل الحدس الصناعي من طبيعة العضو ومن مقدار المرض ومن الأشياء التي تدل بموافقتها وملايمتها التي هي الجنس والسن والعادة والفصل والبلد والصناعة والقوة والسحنة ومعرفة طبيعة العضو تتضمن معرفة أمور أربعة أحدها مزاج العضو والثاني خلقته والثالث وضعه والرابع قوته اما مزاج العضو فإنه إذا عرف مزاجه الطبيعي وعرف مزاجه المرضى عرف بالحدس الصناعي انه كم يعد من مزاجه الطبيعي فيعرف مقدار ما يرده إليه مثاله ان كان المزاج الصحي باردا والمرض حارا فقد بعد من مزاجه بعدا كثيرا فيحتاج إلى تبريد كثير وان كان كلاهما حارين كفى الخطب فيه بتبريد يسير وأما من خلقه العضو فقد قلنا ان الخلقة على كم معنى تشتمل فليتأمل من هناك ثم اعلم أن من الأعضاء ما هو في خلقته سهل المنافذ وفي داخله أو خارجه موضع خال فيندفع عنه الفضل بدواء لطيف معتدل ومنه ما ليس كذلك فيحتاج إلى دواء قوى وكذلك بعضها متخلخل وبعضها متكاثف والمتخلخل يكفيه الدواء اللطيف والكثيف يحتاج إلى الدواء القوى فأكثر الأعضاء حاجة إلى الدواء القوى ما ليس له تجويف ولا من أحد الجانبين ولا فضاء له ثم الذي له ذلك من جانب واحد
(١٨٨)