الفلك، وعدم الفضل في الأفلاك، ولو أدت بهم المقدمات التي عندهم إلى وضع آخر مناسب لما امتنعوا عنه إذ لم يشاهدوا تلك الأوضاع التي بنو عليها، ولا يستندون في ذات الوضع إلى الحس.
والمتأخرون منعوا كثير من مقدمات المتقدمين فتوجهوا بما عندهم من المقدمات والاستعداد إلى استخراج وضع آخر يناسب الحركات المذكورة ولا تحسب أن نظاراتهم دلتهم على الوضع الذي يقولون به، وإنما أدت بهم إلى توسعة دائرة الاحتمال والتخمين في أحوال ذات الكواكب، فانظر إلى مقالاتهم ومباحثاتهم في هذا الفن.
نعم استخرجوا بها كواكب خفية، ومن جملتها ثلاث سيارات سموها (فلكان) و (اورانوس) و (نيطون) فأثبتوا لها ثلاثة أفلاك، ثم إنهم بتخمينهم جعلوا الكواكب اكر قائمة بنفسها في الخلاء وإنما الأفلاك عبارة عن دوائر متوهمة من استدارتها في الخلاء، وجعلوا الشمس هي المركز لأفلاك الكواكب السيارة، كما جعلوا الأرض من السيارات حول الشمس، وجعلوا القمر أو الأقمار ليست بسيارات مستقلة وإنما هي توابع لسيارات أخر تدور عليها كما تدور بمدارها.
ولا تنفك مقدماتهم فيما ذهبوا إليه عن الحدس والتخمين كما تعرفه من مباحثهم ومباحثاتهم في ذلك، مع أن من مقدماتهم ما هو قابل للمنع، أو غير مستلزم للمدعى.
وإنا وإن منعنا على القدماء حكمهم بامتناع الخلاء فإن جوازه لا يستلزم كون الأفلاك عبارة عن دوائر خلائية يفرضها الوهم في مدار السيارات، بل يجوز أن تكون الأفلاك أجراما شفافة لا تحجب ما وراءها ولطيفة لا لون لها، ولا تتلون بغيرها، ويجوز في طبيعتها الخرق والالتئام، بل إن سعادة التوفيق للاعتقاد بوجود الإله القادر الحكيم مما يوضح فساد القول بامتناع الخرق والالتئام.
والحاصل أن كلا من وضعي الهيئة القديمة والهيئة الجديدة ممكن من حيث انطباق الحركات المحسوسة عليه، ولكنه يمكن أن يتعداه التحقيق والبحث في