وهاك دلالة القرآن، وبيان الحقائق لكي تعلم أن فلسفة القرآن لا يمكن أن تصدر من مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير الوحي الإلهي فاعلم أن الميدان ليس هو الحركة مطلقا، وإنما هو التزلزل والتزعزع بالحركات المتفاوتة إلى جهات مختلفة على التتابع بواسطة القاسر فهو غير الحركة الطبيعية التي تثبتها الهيئة الجديدة للأرض..
ولكن لما اقتضت الحكمة الإلهية إيداع الحرارة المتحركة وأبخرة البحار في جوف الأرض لكي تتولد بسببها المعادن والفلزات، وتتصعد بها مجاري العيون لعمارة المسكونة، جعل لها منافذ مرتفعة عن السطح المعمور وفتح فيها بحكمته أفواه البراكين، ومنافذ الينابيع، وتعاهد بالمطر ودوام الثلج عليها فتح مسامها، كل ذلك لكي تتوجه إليها بسبب ارتفاعها وانفتاح منافذها تلك القوى النارية السيارة في جوف الأرض لتنفذ من خلالها بدون أن تصدم بعاديتها شيئا من المعمور، ولولا ذلك لاستدام الزلزال في السهل المعمور واستمر الميدان وسلب القرار بسبب ميل القوى النارية إلى الخروج من الأرض بحدتها العنيفة فيعم الضرر في المعمور وساكنيه بشيوع الزلزال، فالجبال من أجل هذه الحكمة البالغة هي المانع من شيوع الزلزال في الأرض والحافظة لها من أن تكون مائدة.
ألا ترى القوى النارية مع هذه المنافذ لها في الجبال كيف تزلزل سطح المعمور وتميده إذا اقتضت الحكمة خروجها منه، بل قد يستتبع خروجها منه الخسف والانفجار الناري والمائي.
ولعل الحكمة في ذلك إرهاب الخلق به لئلا يأمنوا بطش الله فيطغوا ويبغوا، وإشعارهم بالنعمة عليهم بخلق الجبال وحكمتها البديعة في كونها حافظة للمعمور من هذا البلاء العظيم، كما صرح بذلك القرآن الكريم فأظهر الله حكمته ورحمته وامتن على الناس بحفظهم من ميدان الأرض المزعج المخرب فضلا عن الخسف والانفجار..
بل قد تساعد الفلسفة والاعتبار على أن نقول: إن الجبال بطبعها موجبة لميل القوى النارية إليها والخروج منها، وإن كانت صخرية ليس فيها براكين ولا ينابيع.
وقد امتن الله أيضا على عباده بجعل الجبال راسية في مواطنها