الإنجيل لم يكن مبنيا على البلاغة، والقرآن المبني على البلاغة قد جاء فيه التكرار الكثير..
قلنا أولا: حاصل هذا الكلام إن التكرار الفارغ لا يضر في الإنجيل لأنه غير مبني على البلاغة.
وثانيا: إنه لم يتكرر في القرآن الكريم إلا ما كان مقتضى الحال موجبا لتكراره، فكيف ترى التكرار الذي اعترض عليه المتعرب (ذ ص 85) وذلك في قوله تعالى في سورة المائدة 94 (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا).
فإن نفي الجناح في المطعوم وعدم لحوق الوبال منه إنما يتم بالنسبة إلى هؤلاء الثابتين الدائبين على الإيمان والعمل الصالح والتقوى والاحسان، فكم من مؤمن عمل صالحا ثم جره الشره والانهماك في الطعام إلى سوء الظن بالله وعدم التوكل عليه، ومنته نفسه الأمارة وحرصه أن يستزيد رزقه بتدبيره، وكم من مؤمن عمل صالحا ثم جره الشره إلى مخالفة التقوى والورع بالإغماض والتساهل في مطالب رزقه، وكم من مؤمن عمل صالحا واتقى مدة ثم جره الشره والاعتياد على ملاذ المطعم إلى الإقدام على كسب الحرام. وكم من مؤمن عمل صالحا واتقى قد أدى به الشره والانهماك بلذة المطعم إلى العجز والتثاقل عن العبادة والعمل الصالح واكتساب الفضائل الروحانية، فإن تكلف شيئا من ذلك جاء به صورة مشوهة وجسما بلا روح.
وكم من هؤلاء من جره الشره إلى الإسراف المحرم والإكثار المضر ببدنه فضلا عن دينه، وكم وكم جرهم الشره إلى الشح وذمائم الأخلاق والتعطل من زينة الإحسان. ولكن أغلب الناس يقولون: لسنا من هؤلاء والحمد لله فلا يسلم الطاعم من الجناح والوبال إلا إذا تأدب بأدب الآية الكريمة (وقليل ما هم)، ولا يحسن نفي الجناح إلا مع هذا التأكيد في الثبات والدوام على الإيمان والعمل الصالح والتقوى والاحسان فإن القرآن الكريم لم تجر تعاليمه على الفداء والمغالطة بكفاية اسم الإيمان