الرواية والسيرة المعلومة أن عمارا قد أخذ في أمر الإيمان ونصرة الحق بمجامع الحكمة وأعطى كل مقام حقه بحسب حاله، فإنه رجح الملاينة مع المشركين بكلمة يوري بها في شأن رسول الله (ص) وذلك حيث كان محتقرا بين المشركين يعلم أن قتله لا يجدي في قوة الدعوة ولا يهيأ لها ثأرا تعتز بطلبه، بل إنما ينقص قتله من عديدها، ومع ذلك فقد رهقه الوجل مما قال وجاء إلى رسول الله (ص) باكيا.
ولعل هذا الحال أحسن أثرا في نصرة الدعوة من قتله في تلك الحال، ولكن لما قويت شوكة الحق وكثرت دعاته وعلم أن قتله إن لم يشيد كلمة الحق لا يضعضعها أخذ حينئذ بالحزم والشدة بحدي سيفه ولسانه.. هذا ولو صح من الرواية أن رسول (ص) قال لعمار: إن عادوا فعد لهم بما قلت لكان ناظرا إلى مثل الحال في إكراه عمار وأن يقول مثل ما قال مما تصلح التوراة فاسدة.
وقد بينا أن حكمة الدين قد تقتضيه ويرضاه الله لأجل إعلاء دينه ولم يكن ذلك تجويزا للكفر باللسان مطلقا ولا تعليما به، ولكن جاء في إنجيل المتكلف عن قول المسيح كل خطيئة وتجديف يغفر للناس، وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس، ومن قال كلمة علي ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له (مت 12، 31 و 32).
ولا تلتفت إلى تشبث المتكلف للمنع من ذلك مطلقا بما نقله عن قول المسيح: من ينكرني قدام الناس أنكره قدام ملائكة أبي في السماوات، فإنه لا بد أن يحمل الإنكار على إنكار المسيح حقيقة كمن شرح بالكفر صدرا، ولا يمكن عمومه للكفر بالمسيح وإنكاره باللسان، وإلا كأنه هذا الكلام المنقول عن المسيح كاذبا بمقتضى العهد الجديد.
فإن الأناجيل اتفقت على أن بطرس أنكر المسيح وصار يحلف ويلعن مع أن المسيح أنذره بذلك وهو قد عاهد المسيح على أن لا ينكره، ومع ذلك فالعهد الجديد يقول: إن المسيح بعد ذلك بأيام قلائل سلم إليه رعاية الكنيسة (يو 21، 15 - 18).
ومن الظرائف أن المتكلف لم يكتف باختلاف متى ولوقا في نقلهما