والقرآن الكريم لا يتعارض في أمثال هذا إلا لما كان له دخل في الامتنان والموعظة أو الحجة، فلأجل ذلك لم يتعرض لمحل هذه الواقعة، إذ لا دخل له إلا في بسيط التاريخ وهو بمعزل عن شريف أسلوب القرآن الكريم.
فاعترض المتكلف (يه 2 ج ص 16 س 17 و 18) على نقل القرآن أن موسى (ضرب الحجر فانفجرت منه المياه)، وقال: والصواب إن الصخرة انفجرت ماء.
قلت في توراة المتكلف: إن الله أمر موسى أن يأخذ عصاه التي ضرب بها النهر فيضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا (خر 17، 5 و 6) وأيضا، ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرارا فخرجت مياه كثيرة (عد 20، 6 - 12).
قل فماذا ترى في اعتراض المتكلف؟ أتقول إنه لم ير توراته مدة عمره؟
أم تقول إن معنى اعتراضه وإن خبط باللفظ هو أن القرآن الكريم ذكر الحجر والتوراة العربية قد سمته صخرة فهذا مبلغ اعتراض المتكلف، فنقول: إن اسم الحجر المذكور في القرآن الكريم يشمل الصخر كما هو المعروف في اللغة العربية وهو في الأصل العبراني (صور وسلع) وقد أعاد على (صور) ضمير المذكر حيث قال (ممنو) - أي منه -، وأشار إلى (سلع) باسم الإشارة الذكر فقال (هزه) - أي هذا -، ثم نقول: ماذا على القرآن الكريم إذا خالف توراة حلقيا، أو غيره، أم تقول: إن المتكلف يغمز في اعتراضه إلى إنكار معجزة موسى بإخراجه الماء من الحجر بواسطة ضربه له عن أمر الله، بل يقول: إن الصخرة انفجرت ماء لمقتض طبيعي، فكلما ينقل من المعجزات المخالفة لاقتضاء الطبيعة فهو خرافة، ولكنه تحاشا من قومه أن يوجه إنكاره إلى صراحة التوراة فكنى عن ذلك بإنكاره على القرآن الكريم، أم تقول إنه كثيرا ما تكلم بمثل هذا وهو لا يدري ما يقول.
واعترض المتكلف أيضا على قول القرآن الكريم (إن الحجر انفجرت منه اثتني عشرة عينا)، ومنشأ اعتراضه هو أن توراته التي عرفت حالها لم تذكر هذا العدد.