قلت: لئن أساءت التراجم للعهد القديم ترجمتها في هذا المقام، فإن الأصل العبراني يشير إلى ما يذكره القرآن الكريم من تعدد الينابيع، وإن لم ينص العهد القديم على عددها كعادته في إهمال ذكر المهمات وإطنابه بالفضول وهاك نص كلماته:
ويصاو ممنو ميم، فتخرج (بضمير الجمع) منه مياه (خر 17، 6)، ودبريتم ال هسلع لعينيهم وناتن ميما يو وهو صائيتا لهم ميم، وكلما الحجر لعيونهم ويعطي مياهه فتخرج لهم مياها، ويصأو ميم ربيم، فخرجت (بضمير الجمع) مياه كثيرة (عد 20، 8 و 11).
وفي المزامير في ذكر النعم والمعجزات التي صنعها الله مع بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر يبقع صوريم بمدءبار ويشقى كتهموت رباه، يشق أحجارا في البرية ويسقى كلجج كثيرة، ويوصانو زليم مسلع ويورد كنهروت ميم، أخرج مجار من حجر وأجرى كأنهار مياها، هن هكاه صور وياز وبو ميم ونحليم، هو ذا ضرب الحجر، وفاضت المياه والأودية (مز 78، 15 - 21).
وهذه الكلمات متعاضدة على الصراحة بتعدد المنابع والعيون من الحجر، ولكن التوراة والعهد القديم يهملان النص على العدد حيث يلزم في الامتنان وبيان القدرة وعظيم النعمة، وينصان على العدد حيث لا يلزم النص بل يقعان فيه بعثرات الغلط التي لا تقال، كما ذكرناه قريبا في عدد الملائكة الذين جاؤوا إلى إبراهيم ثم توجهوا إلى سدوم وجاؤوا إلى لوط، وكما ذكره إظهار الحق في شواهد المقصد الأول والثاني من الباب الثاني فوقع المتكلف به في حيص وبيص ولعل ما يجري له ذكر إن شاء الله.
ومن أوهام المتكلف أو تنبيهاته على مواقع الاعتراض على التوراة الرائجة هو أنه افتخر هاهنا بضبطها وإتقانها لمنازل بني إسرائيل في خروجهم من مصر، فلا أدري أنه هل يجهل خبطها في هذا الشأن، أو يدري أو يريد أن ينبه عليه، وهل ذلك لأجل تعلق قلبه بغير النصرانية، أو لكي يجعل لها أسوة بإنجيله في الخبط بالأمكنة، كما ذكرناه في الجزء الأول صحيفة (253 - 257).