فيغتنمون فيه الأنس بمناجاة مولاهم وفضيلة المثول في حضرته فيقيمونها بالإقبال والعرفان والأنس والهيبة والرغبة والرهبة والنشاط والخشوع على حدود شريعتها وآداب سنتها وشروط إخلاصها ووظائف التعبد بها، فهذا هو إقامة الصلاة وأولئك قادة المؤمنين وسادة الموحدين، وإن تشرف من هو دونهم ببعض مراتب الإيمان بالله واليوم الآخر.
فالقرآن الكريم نبه الذهن بأيسر تغيير في الأسلوب إلى حقيقة إقامة الصلاة وامتياز مقيميها عن سائر المصلين والمؤمنين.
وبهذا تعرف شطط المتعرب في إنكاره لامتياز هؤلاء على سائر المؤمنين (ذ ص 74).
وأما ضلال المتعرب في تعريضه بقوله (ذ ص 74) وقصارى ما يقدرون عليه (يعني من يزعم أنهم مؤمنون بالله واليوم الآخر) هو أنهم إذا رأوا واحدا منهم يغدر ويخون وينهب ويقتل الأسرى حتى يثخن في الأرض ساغ لهم أن يرتابوا في صحة إيمانه بالله واليوم الآخر.
فإنه يكفي في إزهاقه ما ذكرناه من ج 1 ص 159 إلى ص 200 فراجعه.
ولكن القلم الغيران للحق أبى إلا أن يقف للمتعرب موقف الاستفصال وقول الفصل، فقال المتعرب: إن الإيمان الذي عندنا والإيمان الذي عندك قد تبينا إلى حيث لا ملتقى.
فإن الإيمان عندنا بمقتضى هدى العقل ونور الكتاب وإرشاد الشريعة هو الإيمان بأن إله الحق هو الله الواحد الأحد القادر القاهر العزيز الجبار القدوس الحي الذي لا يموت لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، جل وتعالى عن المثل والمكان، لا يتجرأ ولا يتعدد ولا يتجسد، قد اصطفى بعلمه وحكمته ولطفه من عباده رسلا أطهارا بررة معصومين من الذنوب مبرئين من العيوب دائبين على طاعة الله صادعين بأمره، ليس لقال فيهم مغمز، ومن عدادهم المسيح عبد الله المقرب ورسوله المنتجب، خلقه بقدرته وأودعه في رحم أمه الطاهرة العذراء من غير نطفة فحل، ثم ابتعثه رسولا هاديا مهديا وأنزل عليه الإنجيل