هذا وإن كان مراد التوراة من الساكن أمام جميع إخوته هو بنو إسماعيل وذريته كما يدل عليه كلام التوراة الذي سنذكره.
فمن الواضح أن مساكنهم لا ربط لها ببرية سيناء ولا فلسطين، بل هي في شرقي جبل الشرات على بعد متفاوت.
فقد قالت التوراة: وهذه أسماء بني إسماعيل حسب مواليدهم: نيابت بكر إسماعيل، وقيداره، وادبيئل، ومبسام، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدد، وتيما، ويطور، ونافيش، وقدمه. هؤلاء هم بنو إسماعيل وهذه أسمائهم بديارهم وحصونهم اثني عشر رئيسا حسب قبائلهم، وهذه سنو حياة إسماعيل مائة وسبع وثلاثين سنة، وأسلم روحه ومات وانضم إلى قومه، وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر لمجيئك نحو اشور أمام جميع إخوته نزل (تك 25، 13 - 19).
وهذا الكلام بمقتضى المحاورة العقلائية ظاهر كالصريح في أن المراد من الذي نزل أمام جميع إخوته إنما هم أولاد إسماعيل، وصريح في أن الأسماء الاثني عشر المذكورة هي أسماء لأولاد إسماعيل وأسماء لقبائلهم وأسماء لديارهم وحصونهم على النهج المألوف في القديم، كما في أولاد يقطان، حضروموت، واوزال، واوفير، وحويلة، إذ سميت قبائلهم وأراضيهم وبلدانهم بأسمائهم، وكما في أولاد إبراهيم: مديان، و أدوم (عيسو) ابن يعقوب، وعلى هذا فلا يخفى على من له أدنى معرفة بتوقيع البلدان أن (تيما) و (دومة) لا ربط لهما ببرية سينا، ولا بأرض كنعان، ولا بأرض إسرائيل في شرقي الأردن، بل هما مائلتان عن ذلك وعن الحجر بلاد ثمود إلى المشرق في بلاد العرب بمسافة بعيدة ومحلهما معروف، وهذا كاف في إبطال مزاعم المتكلف.
وزد على ذلك أن التوراة في تحديدها لمنازل بني يقطان ذكرت (مسا) حيث قالت: وكان مسكنهم من (مسا) لمجيئك سفار جبل المشرق (تك 10، 30).
وقال المتعرب (قذ) ص 11 إن لفظها في النسخة المطبوعة في رومية