المؤمن المكية: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك " وفي الآية الرابعة والستين بعد المائة من سورة النساء المدنية (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك) فالقرآن ينادي بأن هناك من الرسل من لم يقصصهم الله على رسوله.
وهذا كله مما يصد عن التسرع بالقول بأن أقطار الدنيا لم يرسل فيها رسول ولا بلغتها دعوة رسول على مقتضى اللطف وإقامة الحجة. يا للعجب بأي علم محيط ينفي ذلك.
تنبيهات يا عمانوئيل، نذكر بعض التنبيهات في المقام لكي تستعين بها على دفع الشبهات.
1 - قد أشرنا في صحيفة 429 و 430. إلى أن الحكمة اقتضت خلق الانسان مختارا في إيمانه وأعماله بحيث لا يدخل في ذلك إلجاء. وهذه الحكمة بعينها تقتضي أن يكون أمر النبوات في سيرها ونفوذها وقبولها غير مبني على إلجاء الله للبشر في ذلك بل تجري في ذلك على نهج الأمور البشرية العادية،. يسير أمرها ويمضي نفوذها بحسب العاديات والأحوال من الاقبال والاقتناع والسعي والدفاع والعزة والمنعة.
2 - إن الاعتبار بحال النبوات التي ظهر لها صوت من بين مصادمات الضلال يفهمنا أنه يجوز في كثير من الأزمان والأقطار أن يكون الضلال المستفحل فيها مستعدا لأن يخنق الدعوة الرسولية عند أول ولادتها ولا يمهلها بأن تتنفس.
فلا تدخل الرسالة ودعوتها حينئذ في اللطف والحكمة. أنظر إلى أن موسى كان ينتظره وينتظر دعوته الرسولية مئات الألوف من قومه بني إسرائيل لكي ينصر أيمانهم الموروث من إبراهيم وينقذهم من شرك