مقام يعلم بأنه يكون لدعوتها صوت يقوم به اللطف وتتأكد به الحجة.
ولعلما يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى في الآية الرابعة والعشرين بعد المائة من سورة الأنعام: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
وهل يخفى عليك أن الله قد أقام حجته على جميع الناس في المعارف الإلهية بما وهبه لهم من العقل تتجلى في بديهياته حقائق المعارف الإلهية وبطلان المادية والشرك والثالوث وتجسد الإله وحديث الفداء وكيف ترى إصرار الأمم على ذلك وإصرار البشر نوعا على الظلم والجور وفساد الأخلاق مع أنهم يعرفون قبح ذلك ببداهة عقولهم مضافا إلى أن الناس قد بلغتهم دعوة رسولية توبخهم على الضلال وتحتج عليهم ببديهيات عقولهم ولم تقترن بشئ من الموانع العقلية ولا بتعليم غير معقول ومع ذلك فإنك ترى الأهواء كيف تلعب ما تلعب بإصرارها.
فالحجة العقلية البديهية قائمة على جميع البشر في الشؤون الإلهية ومواقع العدل والانصاف ومحاسن الأخلاق وأنت ترى حال الناس مع ذلك وهل يخفى أن الرسالة مؤكدة لهذه الحجة بتكرار بيانها والنداء بها.
نعم هي مؤسسة في الشرايع التي لا يدرك العقل تعديلها والعبادات التي لا يدرك العقل وجوهها والناس مصرون على تمردهم وحرمان أنفسهم من كرامة دلالة العقل فمن الجدير لأجل ذلك أن يكون الكثير منهم في شعوبهم وأقطارهم وأجيالهم قد أخرج نفسه عن لياقته للطف المختص بالرسالة ولا يدع لحكمتها محلا.
إذن فاعرف أن الحكمة الإلهية في الرسالة تنظر إلى هذه الشؤون من أحوال البشر وتجعلها حيث يمكن بحسب حال الناس أن يظهر لها صوت بدون إلجاء يسلبهم الاختيار ولله الحجة البالغة وهو العليم الحكيم.
يا عمانوئيل إذا قامت الحجج العقلية على أمر من الأمور فلا يصح لك أن تشكك فيها لأجل احتمالات موهومة يثيرها الجهل بالحقائق بل ينبغي أن تجعل الحجج العقلية دليلا إجماليا على الحقائق المجهولة التفصيل.