ثالثا: التزام الدعاء ومن أبرز المظاهر الفذة في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام الأدعية المأثورة عنه، فقد تميز ما نقل عنه بالكثرة، والنفس الطويل، والشهرة التداول، لما تحتويه من أساليب جذابة ومستهوية للقلوب، تتجاوب معها الأرواح والنفوس، وما تضمنته من معان راقية تتفاعل مع العقول والأفكار.
وقد كان للأدعية التي أصدرها أبعاد فكرية واسعة المدى، بالنصوص الحاسمة لقضايا عقائدية إسلامية، كانت بحاجة إلى البت فيها بنص قاطع، بعد أن عصفت بالعقيدة، تيارات الإلحاد، كالتشبيه والجبر والإرجاء، وغيرها مما كان الأمويون وراء بعثها وإثارتها وترويجها، بهدف تحريف مسيرة التوحيد والعدل، تمهيدا للردة عن الإسلام، والرجوع إلى الجاهلية الأولى.
وفي حالة القمع والإبادة، ومطاردة كل المناضلين الأحرار، وتتبع آثارهم وخنق أصواتهم، كان قرار الإمام زين العابدين عليه السلام باتباع سياسة الدعاء، أنجح وسيلة لبث الحقائق وتخليدها، وأءمن طريقة، وأبعدها من إثارة السلطة الغاشمة، وأقوى أداة اتصال سرية مكتومة، هادئة، موثوقة.
كما كانت لنصوص الأدعية أصداء قوية في ميادين الأدب، الذي له وقع كبير في نفوس الشعوب، وخاصة الشعب العربي، وله تركيز كثير في قرارات أذهان الناس وذاكرتهم.
ولقد استخدم الأئمة عليهم السلام تأثير الأدب في الناس، فكانوا يهتمون بذلك، سواء في تطعيم ما يصدرونه، بألوان زاهية من الأدب العربي الراقي، نثرا وشعرا، كما كانوا يبعثون الشعراء على نظم القضايا الفكرية، والحقة، في أشعارهم، ويروجونها بين الناس.
ولقد استثار الأئمة عليهم السلام - على طول خط الإمامة - شعراء فطاحل من المتشيعين، للنظم في قضايا عقيدية تؤدي إلى تثبيت الحق والدعوة إلى الإسلام من خلال مذهب أهل البيت عليهم السلام، حتى اشتهر عنهم الحديث (من قال فينا بيتا من