إن هذه الرسالة تدل على سياسة الإمام عليه السلام من جهتين:
فأولا: محتواها يدل على أن الإمام كان يراقب الأوضاع بدقة فائقة، فهو يضع النقاط على مواضعها من الحروف، ولا تشذ عنه صغار الأمور فضلا عن كبارها؟
ومثل هذا لا يصدر إلا ممن لم ينعزل عن الحياة الاجتماعية، ولم يزهد في السياسة.
وثانيا: إن إرسال مثل هذه الرسالة إلى الزهري، وهو من أعيان علماء البلاط، لا بد أن لا تخفى عن أعين الحكام، أو على الأقل يحتمل أن يرفعها الزهري إلى أسياده من الحكام! وفي هذا من الخطورة على الإمام الذي أرسل الرسالة ما هو واضح وبين، وقد وصفهم فيها بالظلم والفساد، ونهى، وحذر، وحاول صرف الزهري عن اصطحابهم.
فالسياسة تطفح من جمل هذه الرسالة.
لكن الإمام عليه السلام - في هذه المرحلة - لا يأبه بكل الاحتمالات، والأخطار المتوقعة، بل يصارح أعوان الظلمة بكل ما يجب إعلانه من الحق، كما صارح الظالمين أنفسهم بالمواجهة، والاستفزاز.
وقد وقفنا على شئ من مواجهة الإمام عليه السلام للمتظاهرين بالزهد والصلاح ممن كان يميل باطنا إلى الدنيا، ويحب الرئاسة والوجاهة، وأوضح مصاديق ذلك: هم علماء البلاط ووعاظ السلاطين الذين ارتبطوا بالولاة والحكام، ليستمتعوا باللذات من خلال الحضور معهم، والتطفل على موائدهم.