كان أمر هؤلاء الملحدين قد استفحل، وتجاسروا على الإعلان عن هذه الأفكار بكل وقاحة، في المجالس العامة، حتى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت مهمة الإمام السجاد عليه السلام حساسة جدا، لكونه ممثلا لأهل البيت عليهم السلام، بل الرجل الوحيد ذا الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية بأقرب الطرق وأوثقها، وبأصح الأسانيد، مصحوبا بالإخلاص لهذا الدين وأهله، وعمق التفكير وقوته، وبالشكل الذي ليس لأحد إنكار ذلك أو معارضته.
ومع ما كان عليه الإمام السجاد عليه السلام من قلة الناصر، فقد وقف أمام هذا التيار الإلحادي الهدام، وأقام بأدلته وبياناته سدا منيعا في وجه إحياء الوثنية من جديد!
فقام الإمام بعرض النصوص الواضحة التعبير عن الحق، والناصعة الدلالة على التوحيد والتنزيه، مدعومة بقوة الاستدلال العقلي، وكشف عن التصور الإسلامي الصحيح، وشهر سيف الحق والعلم والعقل على تلك الشبه الباطلة:
ولنقرأ أمثلة من تلك النصوص:
جاء في الحديث أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه، ففزع لذلك، وارتاع له، ونهض حتى أتى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوقف عنده، ورفع صوته يدعو ربه، فقال في دعائه:
(إلهي بدت قدرتك، ولم تبد هيبة جلالك، فجهلوك، وقدروك بالتقدير على غير ما أنت به مشبهوك.
وأنا برئ - يا إلهي - من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شي - يا إلهي - ولن يدركوك.
فظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك، لو عرفوك. وفي خلقك - يا إلهي - مندوحة عن أن يتأولوك. بل ساووك بخلقك، فمن ثم لم يعرفوك.
واتخذوا بعض آياتك ربا، فبذلك وصفوك. فتعاليت - يا إلهي - عما به المشبهون نعتوك) (1).