وطوى الكتاب، وختمه، وأرسل به مع غلام له على بعيره، وأمره أن يوصله إلى عبد الملك ساعة يقدم عليه! (1).
إن أسلوب هذا الكتاب، ومحتواه، كلاهما مثار للاستفزاز:
فأولا: يحاول الإمام عليه السلام أن يعرف الحاكم باطلاعه الكامل على تاريخ كتابته للرسالة، بدقة، حتى اليوم والساعة.
فهو يوحي إليه علم الإمام بما يجري داخل القصر الملكي.
وهذا أمر لا يمر به الطواغيت بسهولة.
وثانيا: يصرح الإمام عليه السلام باتصاله المباشر بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه الذي أخبره وأنبأه بالرسالة ومحتواها.
وهذا أيضا يوحي أن الإمام عليه السلام مع أنه مرتبط بالرسول نسبيا، فهو مرتبط به روحيا، ويأخذ علمه ومعارفه منه مباشرة!
ومثل هذا الادعاء لا يتحمله الخليفة، بل يثقل عليه، لأن ادعاء ذلك يعني كون الإمام عليه السلام أوثق صلة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، من هذا الذي يدعي خلافته!
والمقطع الأخير من الكتاب، حيث يخبر الإمام عليه السلام عن أن فعل عبد الملك وتوصيته بآل عبد المطلب (مشكور عند الله) وأنه ثبت بذلك ملكه، وزيد فيه برهة، ليس قطعا أسلوب دعاء وثناء وتملق، وإنما هو تعبير عن قبول الصنيع، ورد الجميل، والعطف عليه بزيادة برهة - فقط - في الملك! لا الخلافة.
مع أن صدور مثل هذا الخبر من الإمام عليه السلام إلى عبد الملك الخليفة! فيه نوع من التعالي والفوقية الملموسة، التي لا يصبر عليها من هو في موقع القدرة، فضلا عن الطغاة أمثال عبد الملك.
والحاصل أن هذا الكتاب الصادر من الإمام عليه السلام لم يكن يصدر، إذا أراد الإمام عليه السلام أن يجتنب التعرض بالحاكم، وخاصة بهذا الأسلوب المثير، ومع أن الرسالة التي كتبها عبد الملك لم تكن مرسلة إلى الإمام عليه السلام.