إنما صاحب هذه المواقف ذو روح متطلعة وثابة هادفة، إذا لم يتح له - بعد كربلاء - أن يأخذ بقائمة السيف، فسنان المنطق لا يزال في قدرته، يهتك به ظلام التعتيم الإعلامي المضلل!
وقد اتبع الإمام السجاد عليه السلام هذه الخطة بحكمة وتدبير عن علم بالأمر، وعمد له، وكشف عن أنه انتهجه سياسة مدبرة مدروسة.
فلما سئل عن: (الكلام، والسكوت) أيهما أفضل؟ لم يدل بما يعتبره الحكماء من:
أن الكلام إذا كان من فضة فالسكوت من ذهب، وإنما قال:
(لكل واحد منهما آفات، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت).
ولما سئل عن سبب ذلك مع مخالفته لاعتبار الحكماء المستقر في أذهان الناس من فضل السكوت؟ قال:
(لأن الله - عز وجل - ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، وإنما بعثهم بالكلام.
ولا استحقت الجنة بالسكوت.
ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت.
ولا توقيت النار بالسكوت.
ولا يجنب سخط الله بالسكوت.
إنما كله بالكلام! وما كنت لأعدل القمر بالشمس!
إنك تصف فضل السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت! (1) وهكذا طبق الإمام عليه السلام هذه الحكمة البالغة، وأدى رسالته الإلهية من خلال خطبه وكلماته ومواعظه وأحاديثه، في جميع المواقف العظيمة التي وقفها، وهو في الأسر.
وإذا كان الظالمون يعتدون على المصلحين والأحرار بالقتل والسجن، فإنما ذلك ليخنقوا كل صوت في الحناجر، ولئلا يسمع الناس حديثهم وكلامهم (2).