ثانيا: في الأسر إن البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كربلاء، وهو في أسر الأعداء ، وفي الكوفة في مجلس أميرها، وفي الشام في مجلس ملكها، لا تقل هذه البطولة أهمية - من الناحية السياسية - عن بطولة الميدان، وعلى الأقل: لا يقف تلك المواقف البطولية من هالته المصارع الدامية في كربلاء، أو فجعته التضحيات الجسيمة التي قدمت أمامه، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممن فضل السلامة!
نعم، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلا من صاحب قلب جسور، صلب يتحمل كل الآلام، ويتصدى لتحقيق كل الآمال، التي من أجلها حضر في ميدان كربلاء من حضر، وناضل من ناضل، واستشهد من استشهد، والآن يقف - ليؤدي دورا آخر - من بقي حيا من أصحاب كربلاء، ولو في الأسر!
إن الدور الذي أداه الإمام السجاد عليه السلام، بلسانه الذي أفصح عن الحق ببلاغة معجزة، فأتم الحجة على الجميع، بكل وضوح، وكشف عن تزوير الحكام الظالمين، بكل جلاء، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام. إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد، من أثر سيف واحد، يجرده الإمام في وجه الظلمة، إذ لم يجد معينا في تلك الظروف الصعبة!.
لكنه كان الشاهد الوحيد، الذي حضر معركة كربلاء بجميع مشاهدها، من بدايتها، بمقدماتها وأحداثها وملابساتها وما تعقبها، وهو المصدق الأمين في كل ما يرويه ويحكيه عنها.
فكان وجوده استمرارا عينيا لها، وناطقا رسميا عنها.
مع أن وجوده، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكل فروع: العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والعرفان، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته وسيرته وسنته، والناطق عن القرآن المفسر الحي لآياته، إن وجوده - حيا - كان أنفع للإسلام وأنجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل، والجفاف القاتل، في المجتمع الإسلامي.
كان وجوده أقض لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيف وسيف، لأن الإسلام إنما