على أن من الضروري لكل مناضل أن يركز معتقداته، ويحدد مواقعه الفكرية ويحصن أصول دينه، حتى يكون على بصيرة من أمره، فيوحي إلى ذاته بالحق، ويوصي نفسه بالصبر عليه، بالدعاء.
وليس في المقدور لأية سلطة حاكمة أن تسلبه هذه القدرة، أو أن تحاسبه على هذه الإرادة.
وفي مثل هذا التركيز والتحديد يكمن سر خلود الإنسان، عندما يكون مهددا بالإبادة.
والنطق بالدعاء. وسيلة للإعلان عن المعتقدات وتبليغ الرسالات وتنمية الشعور بالمسؤليات، في أحلك الظروف وأحرجها، وبث روح النضال والمقاومة، وتوثيق الرابطة الفكرية، وتأكيد التعهدات الاجتماعية، وتثبيت العواطف الصالحة، حبا بالتولي والإعلان عنه، وبغضا بالتبري وإبدائه، وتعميق الوعي العقائدي بين الأمة، وتهيئة الأجواء - روحيا وفكريا وجسميا - للإعداد للمسؤوليات الكبرى، كل ذلك في ظروف جندت فيه القوى المضادة، للقضاء على الأهداف كلها.
إن الإمام في مثل ذلك عليه أن يخطط للعمل، عندما لا يستطيع المؤمن من القيام بأي عمل، حتى الموت الشريف، بعزة وكرامة، حيث لا طريق إلى اختيار الشهادة كسلاح أخير، لأن الشهادة - أيضا - تحتاج إلى أرضية وظروف مؤاتية، ومعركة، كي يتسنى للشهيد أن يفجر بدمه الوضع، ويكسر الصمت، وإلا فهو الموت الصامت غير المؤثر، المهمل الذي لا يستفيد منه إلا العدو.
والإمام زين العابدين عليه السلام أصبح قدوة للنضال في مثل هذه الظروف بكل سيرته، ووجوده، ومصيره، وسكوته، ونطقه، وخلقه، ورسم بذلك منهاجا للعمل في مثل هذه الأزمات.
إنه رسم الإجابة عن كل الأسئلة التي تطرح:
عن العمل ضد إمبراطورية ضارية، مستحوذة على كل المرافق والقدرات؟!
وعن الصمت الثقيل القاتل، المطبق، الذي يستحيل فيه التفوه بكلمة الحق، كيف يمكن أن يكسر؟
وعن أسلوب شخصي لعرض جميع الطلبات والقيم والعواطف؟