ومهما يكن من تدخل أمر (الغيب) في هذه القضايا، وفرضه لنفسه على البحث، إلا أن من المعلوم كون تصرف الإمام عليه السلام نفسه، وحياته العملية وتوجهاته المعنوية، وتصرفاته المعلنة في الأدعية، والمواعظ، والخطب والمواقف، وما تميزت به من واقعية، كل هذا - المجهول لأولئك العمي البصائر - قد أصبح أمرا يهز كيانهم، ويزعزع هدوءهم، ويملؤهم بالرعب والخيفة.
ولقد استغل الإمام ذلك لصالح أهدافه الدينية وأغراضه الاجتماعية.
ومع كل هذا التعرض والتحدي، وكل هذه الأبعاد المدركة والآثار المحسوسة، مع دقتها وعمقها، فإن التحفظ على ما في ظواهرها، وجعلها (روحية) فقط وعدم الاعتقاد بكونها نتائج طبيعية من صنع الإمام وإرادته، يدل على سذاجة في قراءة التاريخ، وظاهرية في التعامل مع الكلمات والأحداث، وقصور في النظر والحكم.
وكذلك الاستناد إلى كل تلك المظاهر، ومحاولة إدراج الإمام مع كبار الصوفية، وجعله واحدا منهم (1)، فهو بخلاف الإنصاف والعدل؟!
ولماذا يقع اختيار عبد الملك الخليفة على الإمام عليه السلام، من بين مجموعة الزهاد والعباد، ليوجه إليه الإهانة، ويلقي القبض عليه، ويكبله بالقيود والأغلال، ويرفعه إلى دمشق؟! دون جميع المتزهدين والعباد الآخرين؟!
بينما كل أولئك المتظاهرين بالزهد، متروكون، بل محترمون من قبل السلطان، وأجهزة النظام؟!
لو لم يكن في عمل الإمام ما يثير الخليفة إلى ذلك الحد!