ومن المؤسف - حقا - أن مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارت - في العصر الأموي - مركزا للحياة العابثة، وكان من المؤمل أن تصبح معهدا للثقافة الدينية، ومصدرا للإشعاع الفكري والحضاري في العالم الإسلامي، إلا أن الأمويين سلبوها هذه القابلية، وأفقدوها مركزيتها الدينية والسياسية (1).
ولما خرج عروة بن الزبير من المدينة واتخذ قصرا بالعقيق، وقال له الناس: قد أجفرت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! قال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية (2).
وأضاف القرطبي: وكان في ما هناك عما أنتم فيه عافية (3).
إنه - في مثل هذه الأجواء والظروف - ليس عفويا، ولا عن غير هدف:
أن يظل الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة، يعظ الناس ويرشدهم، ويدعوهم إلى نبذ المتع، ويحذرهم من اللغو واللهو ومن الزينة والتفاخر.
فكان عليه السلام يقول: لا قدست أمة فيها البربط (4).
لقد كان له مجلس في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعظ الناس فيه:
قال سعيد بن المسيب: كان علي بن الحسين عليه السلام يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في أعمال الآخرة، بهذا الكلام، في كل جمعة، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحفظ عنه، وكتب، كان يقول:
أيها الناس! اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون، فتجد كل نفس ما عملت - في هذه الدنيا - من خير محضرا وما عملت من سوء، تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه [مقتبس من القرآن الكريم. سورة آل عمران (3) الآية (30)].
ويحك! يا بن آدم الغافل، وليس بمغفول عنه!