تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم) * [الحديد (57) الآية: 23] (1).
ومن أظرف أمثلة مواعظه، ما روي عنه من الخطاب الموجه إلى (النفس) يقول:
(يا نفس، حتام إلى الدنيا سكونك، وإلى عمارتها ركونك، أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك؟ ومن وارته الأرض من الإفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟ ونقل إلى الثرى من أقرانك؟
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم * وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمهم تحت التراب الحفائر (2) وهكذا يسترسل الإمام عليه السلام مع النفس في خطاب رقيق، وحساب دقيق، ويناجيها، يعرض عليها العبر، ويذكرها بما فيه مزدجر، ويبعدها عن الدنيا وزينتها والغرور بها، ويقربها إلى الآخرة ونعيمها وما فيها من جوار الله ورحمته، في مقاطع نثرية رائعة، تتلوها معان منظومة، في ثلاثة أبيات بعد كل مقطع، بلغت (18) مقطعا (3).
وهكذا، لم يترك الإمام عليه السلام طريقا إلا سلكه ولا جهدا إلا استنفده، ليدرك الأمة كيلا تقع في هوة الانحراف، وحياة الترف التي صنعتها لها آل أمية