ثالثا: موقفه من الحركات المسلحة كان الإمام زين العابدين عليه السلام يخطو نحو أهدافه بحذر تام، ووعي كامل، لا يثير انتباه الحكام والولاة المغرورين، كي لا يقضوا على حركته وهي في المهد.
فهم، بانهماكهم في ترفهم واغترارهم بقدراتهم، كانوا بعيدين عن الأجواء التي يصنعها الإمام عليه السلام، فكانوا يعدون مواقفه شخصية خاصة وفردية، بل يستوحون منها الانصراف عن التصدي لأي نشاط سياسي.
فلذلك لم يظهر الإمام انتماءا إلى أية حركة معارضة للدولة، ولم يسمح لها أن تتصل بالإمام، سواء الحركات المتحببة إليه، كحركة التوابين وحركة المختار، أو الحركات المحايدة كحركة أهل الحرة، أم المعادية له كحركة ابن الزبير في مكة والعراق!
لكن الآثار تشير إلى أن الإمام عليه السلام لم يكن في معزل عن تلك الحركات، سلبا أو إيجابا، حسب قربها أو بعدها عن الأهداف الأساسية التي كان الإمام وراء تحقيقها وتثبيتها.
فهو من جهة كان يركز على خططه العميقة والواسعة، بالشكل الذي يغرر بالحكام الأمويين بصحة تصوراتهم عن شغله وشخصه، حتى أعلنوا عنه أنه (الخير).
ولعل رجال الدولة كانوا في رغبة شديدة في الاحتفاظ بهذا التصور، حتى لا يتورطوا مع آل أبي طالب بأكثر مما سبق، وليتفرغوا لغير الإمام زين العابدين عليه السلام ممن أعلن الثورة والمعارضة لهم كابن الزبير، فلذا نشروا هذا المعنى في عملية تحريف، ليدفعوا مجموعة من الناس للمشي بسيرة الإمام عليه السلام.
وقد وقف كتاب من مؤرخي عصرنا الحاضر على هذه الآثار، فأعلنوا: (أن الإمام عليه السلام تبنى مسلكا، يرفض فيه كل تحرك مناهض للسلطة، ويبتعد عن كل نشاط معاد لها) (1).
مع أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان يهدف من خلال مواقفه - حتى العبادية -