ثم خرج، فوالله، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة.
قال الزهري: فقلت: يا أمير المؤمنين! ليس علي بن الحسين حيث تظن، إنه مشغول بنفسه.
فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به (1).
إن هذا الحديث - على طوله - فيه من الدلالات على أن وضع الإمام عليه السلام السياسي أصبح بمستوى يلجئ الدولة إلى اعتقال الإمام وتقييده وتكبيله الغل، وتطويقه بالحرس.
فهل يعامل المنعزل عن السياسة والزاهد فيها، بهذا الشكل حتى لو فرضنا أن الضرورة اقتضت جلبه إلى العاصمة؟
إن أسلوب الجلب هذا فيه الدلالة القوية على أن تحرك الإمام عليه السلام كان على مستوى بالغ الخطورة على الدولة.
ثم ماذا كان يظن الخليفة في الإمام حتى التجأ إلى فعل كل هذا ضده، لو لم يتوجس منه خيفة التحرك السياسي.
ويبدو الإمام عليه السلام مصمما على التزامه، فقد أجاب الخليفة بما أحب هو، لا ما أراد الخليفة.
وفي التجاء الإمام عليه السلام إلى إعمال قدراته الملهمة من الله كإمام للأمة، وولي من أولياء الله المخلصين، فأظهر للملك وللزهري إعجازه الخارق، تأكيد على ما نريد إثباته وهو أن الإمام زين العابدين عليه السلام صرح بأنه يقوم بمهمة الإمامة الإلهية، ويثبت للملك وأعوانه ولكل من اطلع على مجاري الأحداث، أنه الإمام الحق، والأولى بمقام الحكم الذي يدعيه عبد الملك.
وهذا هو أظهر أشكال النضال السياسي.