وهذه المبادئ - مهما كان منشؤها - كانت ولا زالت تخدم الحكام الجائرين المبتعدين عن الإسلام في كل أعمالهم وتصرفاتهم، لأن أصحاب هذه المبادئ كانوا - ولا يزالون - يرون أن مهادنة هؤلاء الحكام صحيحة وغير منافية للشرع وللتدين بالإسلام.
فكانت - كما يقول أحمد أمين -: هذه المبادئ تخدم بني أمية - ولو بطريق غير مباشر - وأصحابها كانوا يرون أن مهادنة بني أمية صحيحة، وأن خلفاءهم مؤمنون، لا يصح الخروج عليهم.
فكان أن الأمويين لم يتعرضوا لهم بسوء، كما تعرضوا للمعتزلة والخوارج والشيعة (1).
بل أصبح الإرجاء - كما نقل الجاحظ عن المأمون: - دين الملوك (2).
وهذه المزعومة - الإرجاء - باطلة أساسا، لدلالة النصوص الواضحة على أن العمل - فعلا وتركا - له أثر مباشر في صدق أسماء (الإيمان والكفر). ولذلك أعلن أئمة المسلمين بصراحة: أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.
فمن خالف ما ثبت أنه من الدين ضرورة فهو محكوم باسم الكفر، وتجري عليه أحكام هذا الاسم، سواء أنكره بلسانه، أو بقلبه، أو بعمله، كقاتل النفس المحترمة وتارك الصلاة، مثلا.
وفي قبال مخالفات الحكام الظالمين، المعلنة والمخفية، قاوم المسلمون بكل شدة، وحاسبوهم بكل صرامة، حتى قتل عثمان - وهو خليفة - من أجل بعض مخالفاته الواضحة.
لكن، لما تربع بنو أمية على الحكم، بدأوا يحرفون عقيدة الناس بترويج كفرهم، وقتل المؤمنين العارفين بالحقائق، وإجراء سياسة التطميع والتجويع، وغسل الأدمغة والتحميق، مستمدين بوعاظ السلاطين من أمثال الزهري:
فقد ورد في الأثر أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري قال: حدثنا بحديث