فوجود الإمام عليه السلام في المسجد النبوي، وإظهاره الفزع من ذلك التشبيه، وارتياعه لذلك الكفر المعلن، ونهوضه، والتجاؤه إلى القبر الشريف، ورفعه صوته بالدعاء...
كل ذلك، الذي جلب انتباه الراوي، ولا بد أنه كان واضحا للجميع، إعلان منه عليه السلام للاستنكار على ذلك القول، وأولئك القوم الذين تعمدوا الحضور في المسجد والتجرؤ على إعلان ذلك الإلحاد والكفر.
وهو تحد صارخ من الإمام عليه السلام للسياسة التي انتهجتها الدولة وكانت وراءها بلا ريب، وإلا، فمن يجرؤ على إعلان هذه الفكرة المنافية للتوحيد لولا دعم الحكومة، ولو بالسكوت!
إن قيام الإمام السجاد عليه السلام بهذه المعارضة الصريحة وبهذا الوضوح يعطي للمواجهة بعدا آخر، أكثر من مجرد البحث العلمي، والنقاش العقيدي والفكري.
إنه بعد التحدي للدولة التي كانت تروج لفكرة التجسيم والتشبيه، وتفسح المجال للإعلان بها في مكان مقدس مثل الحرم النبوي الشريف، في قاعدة الإسلام، وعاصمته العلمية، المدينة المنورة!!
ومهزلة الإرجاء:
الإرجاء، بمعنى عدم الحكم باسم (الكفر) على من آمن بالله، في ما لو أذنب ما يوجب ذلك، وأن حكما مثل هذا موكول إلى الله تعالى، ومرجأ إلى يوم القيامة، وأن الذنوب - مهما كانت - والمبادئ السياسية مهما كانت، لا تخرج المسلم عن اسم الإيمان، ولا تمنع من دخوله الجنة.
وكان الملتزمون بالإرجاء، يتغاضون عما يقوم به الحكام والسلاطين مهما كانت أفعالهم مخالفة لأحكام الإسلام في آيات قرآنه ونصوص كتابه وسنة رسوله.
بل كان منهم من يقول: إن الإيمان هو مجرد القول باللسان، وإن علم من القائل الاعتقاد بقلبه بالكفر، فلا يسمى كافرا.
ومنهم من يقول: إن الإيمان هو عقد القلب، وإن أعلن الكفر بلسانه فلا يسمى كافرا (1).