وقد اعتمد الإمام زين العابدين عليه السلام على هذه القاعدة الإسلامية، وجعلها ركيزة في مقاومة النظام الفاسد، وحاول تجريده من سلاح الوعاظ المحيطين به، المتزلفين، الذين تمرر السلطة على وجودهم ما تقوم به من إجراء يحسنون بذلك أفعالها أمام العوام، ويوقع علماء الزور على آثامها.
ففي الحديث أن الإمام السجاد عليه السلام كان يقول: العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به: شركاء ثلاثة (1).
وكان يحذر الناس من التورط في أعمال الظلمة، ولو بتكثير سوادهم والحضور في مجالسهم، والانخراط في صحبتهم، لأن الظالم لا يريد الصالح لكي يستفيد من صلاحه، وإنما يريده: إما لتوريطه في مظالمه وآثامه، أو أن يجعله جسرا يعبر عليه للوصول إلى مآربه وأهدافه الفاسدة.
فكان الإمام عليه السلام يقول:
لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم، إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله، إلا أوشك أن يتفرقا على غير طاعة الله (2).
فبعض ظاهري الصلاح يتصور أن اصطحاب الظالمين لا يضره شيئا، وإنما يفيد من خلاله خدمة أو على الأقل يكفيه شرا ويدفع عنه ضررا!
ولكنه تصور خاطئ، مرتكز على الغفلة عن الذي قلناه من استغلال الظالم لصحبة الصالحين لتوريطهم، أو تمرير أغراضه عبر سمعتهم، وهو لا يصحبهم على أساس الطاعة قطعا، فلا بد أن يتفرقا على غير طاعة الله أيضا، وهذا أقل الأضرار الحاصلة من هذه المصاحبة الخطرة.
كما أن الذي يعيش مع الظالم، ولو لفترة قصيرة، فإن اصطحابه لا يخلو من كلمات التزلف والمجاملة، والملاطفة بما لا واقع لكثير منه، ولو بعمل مثل الاحترام والتبجيل، وهذا كله مما يزيد من غرور الظالم وهو تصديق لما يقول، وتوقيع على ما يفعل.
كما أن فيه تغريرا للناس البسطاء الذين يرون الصالحين في صحبة الظالم،