أولا: موقفه من الظالمين موقفه من يزيد:
فقد اتخذ الإمام عليه السلام موقفا حكيما من يزيد - وهو من أعتى طغاة بني أمية وأخبثهم، وأبعدهم عن كل معاني الدين والإنسانية والمروءة وحتى السياسة - فكان موقف الإمام عليه السلام منه فذا، فلم يدع له مبررا للقضاء عليه، مع أنه واجهه بكل الحقيقة التي لا يتحملها الطغاة، بل أجبره على إطلاق سراح الأسرى من آل محمد، وذلك بما صنعه الإمام عليه السلام من أجواء لمثل هذا الإجراء.
فرجع الإمام عليه السلام إلى المدينة ليبدأ عمله طبق التخطيط الرائع الذي شرحنا صورا منه في هذه البحوث.
وبعد أن قضى الإمام السجاد عليه السلام عمرا في تطبيق خططه القويمة في معارضة الدسائس التي كان يضعها الحكام من بني أمية ضد الدين وأهله، وفضحها، وحاول أن يبني ما كانوا يهدمونه، ويهدم ما كانوا يبنونه، وصد ما يحاولونه.
وبعد تعزيز المواقع والمكانة لوجوده الشريف بين الأمة، سواء من كان من أتباعه أو من عامة الناس، لم يكن للحكام أن يتعرضوا للإمام عليه السلام من دون أن يكشفوا عن وجوههم أغطية التزوير، وأقنعة الدجل والكفر والنفاق.
فالإمام الذي ذاع صيته في الآفاق بالكرامة، والإمامة، والسيادة والشرف، والتقى والعلم والحلم والعبادة والزهد، أضف إلى ذلك حنانه وعطفه على الأمة ورعايته لشؤونها، قد دخل أعماق القلوب، وأصبح له من الاحترام والتقدير ما لا يكون من مصلحة الحكام التعرض له بأذى.
كما يبدو أن الإمام عليه السلام بعد أن استنفذ أغراضه من خططه، وعلم بأن الدولة الأموية وحكامها الحاقدين على الإسلام ورجاله وخاصة من أهل البيت عليهم السلام، سوف يقضون على حياته إن عاجلا أو آجلا، إن خفية أو علنا، بدأ العمل الهجومي عليهم.
فكان يفرغ ما بقي في كنانته من السهام على هيكل الحكم الأموي الفاسد، والذي