ولكنه لم يفعل أي شي في هذا المجال.
ولو كان محبا للعلم، وحفظه من الدروس، لما اكتفى برفع المنع من تدوينه، بل لتصدى لتلك المجموعة التي دأب الخلفاء - وخاصة معاوية - على اختلاقها ووضعها ونشرها وتشويه الحق بها، وكان من السهل وقوف عمر عليها! فجمعها وأبادها، أو كشفها وأعلن عن زيفها!
ولأمكنه - كذلك - السعي لفسح المجال أمام تلك المجموعة الممنوع نقلها وتداولها من الحديث والعلم، والتي كانت تحتوي على فضائل علي وآله عليهم السلام، فنشرها وأفصح عنها وأذاعها.
ولكن تلك الأحاديث لو نشرت لما بقي لدولة بني أمية ذكر.
فهو لم يفعل شيئا من هذا، وإنما اكتفى بتصرفات تغر الناس وتقنعهم بأنه عادل، يحب العلم، ويحافظ على الإسلام، كي لا تتعمق نقمة الناس عليه وعلى الخلافة الأموية، فتنقلب عليه الأمة.
ومهما يكن، فإن تعرض الإمام زين العابدين عليه السلام لعمر بن عبد العزيز، في ذلك الوقت، وهو من العائلة المالكة، ويتطلع إلى الخلافة، وهو على ما كان عليه من الترف والبذخ اللذين يدلان على روح الطاغوت في وجوده.
إن تعرض الإمام له يدل على نوع من الاقتحام السياسي، وهو موقف خطر يقفه الإمام، بلا ريب، يستتبع المؤاخذة من الحكام الظلمة.
ولكن الإمام عليه السلام كان يقتطف ثمار خطته السياسية، فلا يبالي بما سيقع عليه من جراء هذا الإعلان.
ولقد أعلن، فعلا تصديه لمثل ذلك في ما رواه حفيده جعفر الصادق عليه السلام في قوله تعالى: * (هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) * [سورة مريم: 98] قال: هم بنو أمية، ويوشك أن لا يحس منهم أحد ولا يخشى... ما أسرعه! سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول: إنه قد رأى أسبابه (1).
نعم، رأى الإمام السجاد عليه السلام تلك الأسباب التي كانت من صنع سياسته الحكيمة.