ولما سمع أنه الإمام (علي بن الحسين) أجلسه (الاسم) في مكانه، وهذا يعني أنه قطع طوافه، لعظم وقع النبأ عليه، وقطع الطواف على الإمام برده إليه.
وثانيا، عتاب عبد الملك للإمام عليه السلام لعدم السير إليه، يكشف عن أن مقاطعة الإمام للخليفة والمسير إليه ولقائه، اتخذ شكلا أكبر من مجرد العزلة، بل دل على عدم الرغبة، أو الإعراض، حتى أصبح الخليفة يحاسب عليه.
وثالثا، إن قول عبد الملك: (إني لست قاتل أبيك) كما يحتوي على التبرؤ من الدماء المراقة على أرض المعركة المحتدمة بين أهل البيت عليهم السلام والأمويين، فإنه في نفس الوقت تهديد، بهز العصا في وجه الإمام زين العابدين عليه السلام، وتلويح له بإمكانية كل شئ: حتى القتل!
ورابعا، ولذلك كان جواب الإمام حاسما، وقويا، وشجاعا، إذ حدد النتيجة في تلك المعارك السابقة، وأثبت فيها انتصار أهل البيت الذين ربحوا النتيجة، وخسران قتلتهم الأمويين!
ومع ذلك أبدى استعداده، لأن يقف نفس الموقف المشرف الذي وقفه أبوه، إذا كان عبد الملك بصدد الوقوف على نفس الموقع الظالم الذي وقف عليه قاتل أبيه.
إنه استعداد، وطلب المبارزة والقتال، وتحد سافر لسلطة خليفة لا يمنعه شئ من الإقدام على الفتك والقتل والظلم والإبادة.
وهذا الموقف، وحده، كاف للدلالة على أن الإمام عليه السلام لم يكن - طول عمره - ذلك المسالم، الموادع، المنعزل عن الدنيا وسلطانها، والمشغول بالعبادة، والصلاة والدعاء والبكاء، فقط!
ويبدو أن عبد الملك رأى أن الإمام عليه السلام بمواقفه الاستفزازية تلك، يبرز في مقام أبيه وجده، ويتزعم الحركة الشيعية، وقد ركز موقعيته كإمام، بعد تلك الجهود المضنية، واستعاد جمع القوى المؤمنة حوله، فأصبح له من القوة والقدرة، أن يقف في وجه الخليفة، فلذلك تصدى للإمام عليه السلام وحاول أن يفرغ يد الإمام عليه السلام من بعض