حاجة شخصية، وتقرب خاص، بل كان وراءها تدبير اجتماعي مهم جدا، إذ أن الأمويين - في تلك الفترة بالخصوص، وبعد سيطرتهم على مقدرات العباد والبلاد - جدوا في إشاعة الفساد، وتمييع المجتمع، وترويج الترف واللهو، بين الناس، بهدف تبرير أعمالهم المخالفة للشرع المقدس، المنافية للعرف الذي يبتنى على العفة والشرف، وسعيا لتخدير الناس، وإبعاد الأمة عن الروح الإسلامية الواثبة المقتدرة التي تمكن المسلمون بها من السيطرة على مساحات شاسعة من العالم وحضارات لامبراطوريات مجاورة لها بعد أن كانوا من الشعوب المتخلفة تتخطفهم الأمم من حولهم، لا يملكون لعدوهم دفعا، ولا عن ذمارهم منعا.
وقد خاطبتهم الزهراء فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واصفة حالتهم بقولها:... وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطأ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي (1).
فأرشدهم الرسول إلى المجد والعلى والكرامة والعلم.
لكن الأمويين - ولأجل إخماد ثورة الإسلام في نفوس الناس - أخذوا في ترويج الفحشاء والمنكر، والفجور والخمور، والظلم والخيانة، حتى ضرب بهم المثل في خرق العهود والمواثيق، وتجاوز الأعراف والموازين المقبولة بين الناس، وتلاعبوا بكل المقدرات والمقررات، وانغمسوا - وجروا الناس معهم - في الرذيلة واللعب، ومعهم الجيل الناشئ من الأمة، الذي نما على هذه الروح الطاغية اللاهية.
حتى جعلوا من مدينة الرسول الطيبة، مركزا للفساد.
قال أبو الفرج الأصبهاني: إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم، ولا يدفعه عابدهم (2) وحتى: كانت يثرب تعج بالمغنيات...