مستقلة يعلنها الإمام، وحفاظا على العدد الضئيل الباقي على ولائه للإمام.
فقد بنى الإمام زين العابدين عليه السلام سياسته، في ابتداء إمامته على أساس الابتعاد عن الناس، ودعوتهم إلى الابتعاد عنه عليه السلام.
وقد أعلن الإمام عن هذه السياسة، في أول لقاء له مع مجموعة من شيعته ومواليه في الكوفة، عندما عرضوا عليه ولاءهم، وقالوا له بأجمعهم: نحن كلنا يا بن رسول الله، سامعون، مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك، رحمك الله، فإنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذن ترتك وترتنا ممن ظلمك وظلمنا.
فقال عليه السلام: هيهات... ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا (1).
إن الإمام عليه السلام أخذ عليهم، سائلا، أن يأخذوا في تلك الفترة جانب الحياد تجاه أهل البيت عليهم السلام، لا لهم، ولا عليهم.
إذ، لو رأت السلطة أدنى تجمع حول الإمام عليه السلام، لاتخذت ذلك مبررا لها أن تستأصل وجوده ومن معه، فإن من الهين عليها قتل علي بن الحسين وهو ضعيف، بعد أن قتلت الحسين عليه السلام وهو أقوى موقعا في الأمة!
كان مغزى هذا التدبير السياسي المؤقت: أن لا يبقى الإمام عليه السلام داخل المدينة، حتى لا تلاحقه أوهام الدولة وتخمينات رجالها وحتى يبتعد عن ظنونهم السيئة، بل خرج إلى فضاء البادية المفتوح، وخارج البلد، يسكن في بيت من (شعر) ليرفع عن نفسه سهام الريب، ويدفع عن ساحته اهتمام رجال الدولة، كوارث للشهداء.
ولقد طالت هذه الحالة (عدة سنين) حسب النص، ولعلها بدأت من سنة (61) عندما رجع أهل البيت إلى المدينة، وحتى نهاية سنة (63) عندما انتهت مجزرة الحرة الرهيبة.