جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - الصفحة ١٧٦
حتى تنظروا ما عقدة عقله؟ فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله.
فإذا وجدتم عقله متينا، فرويدا لا يغرنكم!
حتى تنظروا، أمع هواه يكون على عقله، أم يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة؟ وزهده فيها؟
فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة، بترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة، حتى إذا قيل له: (اتق الله) أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد (1).
فهو يخبط خبط عشواء، يوفده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمد به - بعد طلبه لما لا يقدر عليه - في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من أجلها.
فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا مهينا (2).
ولكن الرجل، كل الرجل، نعم الرجل:
هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله، وقواه مبذولة في رضا الله، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد، من العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد، وأن كثير ما يلحقه من سرائها - إن اتبع هواه - يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول.
فذلكم الرجل، نعم الرجل:
فبه فتمسكوا، وبسنته فاقتدوا، وإلى ربكم فتوسلوا، فإنه لا ترد له دعوة، ولا يخيب له طلبة (3).
ولحن هذا الكلام، يعطي أنه خطاب عام وجهه الإمام إلى مستمعيه، أو من طلب منه الإجابة عن سؤال حول من يجب الالتفاف حوله والأخذ منه؟

(١) اقتباس من القرآن الكريم، سورة البقرة (٢) الآية: ٢٠٦.
(٢) اقتباس من القرآن الكريم، سورة الأحزاب (33) الآية (57).
(3) الاحتجاج (ص 320 - 321).
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست