وكان عبد الملك واقفا على بعض ما للإمام عليه السلام من موقعية ومكانة، لوجوده فترة كبيرة في المدينة إلى جوار الإمام عليه السلام وعلمه بأوضاعه.
مضافا إلى أن الإمام عليه السلام قد تحدث معه بلغة الأرقام مما لا يمكنه دفعه أو إنكاره، فلذلك كله تظاهر عبد الملك بفرحه بهذا الكتاب.
فقد جاء في ذيل ذلك الحديث أن عبد الملك لما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها الرسالة إلى الحجاج، فلم يشك في صدق علي بن الحسين، وفرح فرحا شديدا! وبعث إلى علي بن الحسين وفر راحلته دراهم وثيابا، لما سره من الكتاب (1).
ثم الذي يشير إليه الحديث التالي أن الإمام عليه السلام قاطع النظام، مقاطعة سلبية، توحي بعدم الاعتراف والاعتناء برأس الحكومة، وهو شخص الخليفة:
فقد روي أن عبد الملك بن مروان كان يطوف بالبيت، وعلي بن الحسين عليه السلام يطوف أمامه، ولا يلتفت إليه.
فقال عبد الملك: من الذي يطوف بين أيدينا؟ ولا يلتفت إلينا؟
فقيل له: هذا علي بن الحسين!
فجلس مكانه، وقال: ردوه إلي، فردوه، فقال له: يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المسير إلي.
فقال عليه السلام: إن قاتل أبي أفسد - بما فعله - دنياه عليه، وأفسد أبي عليه آخرته، فإن أحببت أن تكون هو، فكن (2).
إن تحدي الإمام عليه السلام الاستفزازي، يتبلور في نقاط:
فأولا، يمشي بين يدي الخليفة متنكرا لوجوده، لا يأبه به، وفي مرأى ومسمع من الحجيج الطائفين، ولا بد أنه كان في الموسم، بحيث أثار الخليفة، وبعثه على السؤال عنه: من هذا الذي يجرؤ على تحدي احترام الخليفة هكذا!