فقال عروة لعلي: يا علي، إن من اعتزل أهل الجور، والله يعلم منه سخطه لأعمالهم، فكان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم.
قال: فخرج عروة، فسكن العقيق.
قال عبد الله بن حسن: وخرجت أنا فنزلت سويقة (1).
أما الإمام زين العابدين فلم يخرج، بل: آثر البقاء في المدينة طوال حياته (2) لأنه يعد مثل هذا الخروج فرارا من الزحف السياسي، وإخلاءا للساحة الاجتماعية للظالمين، يجولون فيها ويصولون.
وما أعجب ما في النص من قوله: (يجلسون كل ليلة... في مسجد الرسول) وكأنه اجتماع منظم، ولا ريب أن فيه تحديا صارخا للنظام يقوم به الإمام زين العابدين عليه السلام.
ولعل اقتراح عروة بن الزبير - وهو من أعداء أهل البيت عليهم السلام - (3) كان تدبيرا سياسيا منه، أو من قبل الحكام، ومحاولة لإبعاد الإمام عليه السلام عن الحضور في الساحة الاجتماعية، لكنه عليه السلام لم يخرج، وظل يداوم مسيرته النضالية.
2 - وفي حديث آخر: قال الإمام زين العابدين عليه السلام: إن للحمق دولة على العقل، وللمنكر دولة على المعروف، وللشر دولة على الخير، وللجهل دولة على الحلم، وللجزع دولة على الصبر، وللخرق دولة على الرفق، وللبؤس دولة على الخصب، وللشدة دولة على الرخاء، وللرغبة دولة على الزهد، وللبيوت الخبيثة دولة على بيوتات الشرف، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة.
فنعوذ بالله من تلك الدول، ومن الحياة في النقمات (4).
وإذا كانت (الدولة) - في اللسان العربي - هي: الغلبة والاستيلاء، وهي من أبرز مقومات (السلطة الحاكمة) فإن الإمام عليه السلام يكون قد أدرج قضية السلطة السياسية