فإن الأمة إذا اعتقدت بالجبر، فذلك يعني: أن كل ما يجري عليها فهو من الله وبإذنه، فما يقوم به الخليفة من فساد وظلم وجور وقتل ونهب وغصب، فهو من الله - تعالى عن ذلك - استكانت الأمة للظالم ولتعدياته، ولم تحاول أن تتخلص من سيطرته، ولا دفع عدوانه، بل لم تفكر في الخلاص منه، لأن ذلك يكون مخالفة لإرادة الله ومشيئته، فالخليفة والأمير والحاكم والوالي إنما ينفذون إرادة الله، وهم يد الله على عباده!
فكيف يرجى من أمة كهذه أن تقوم بوجه سلطة الظالم واعتداءاته وتجاوزاته (1).
لقد أظهر الأمويون عنادهم للإسلام حتى في مسائل الدين، ومن عندهم ظهرت الفتاوي في الشام بخلاف ما في العراق، كما ظهر القول بالجبر في أصول الدين.
وأول ما انتحله معاوية من التفرقة - بين المسلمين - هو القول بالجبر، فقد كان هو أول من أظهره.
قال القاضي عبد الجبار في (المغني في أبواب العدل والتوحيد): أظهر معاوية أن ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه، ليجعله عذرا في ما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه، وأن الله جعله إماما وولاه الأمر، وفشا ذلك في ملوك بني أمية (2).
وكان الأمويون يقولون بالجبر (3).
ولقد قاوم أئمة أهل البيت عليهم السلام فكرة الجبر بكل قوة ووضوح منذ زمان أمير المؤمنين عليه السلام (4).
ولكن لما استفحل أمر بني أمية، وملكوا أنفاس الناس، وتمكنوا من عقولهم وأفكارهم، انفرد معاوية في الساحة، وغسل الأدمغة بفعل علماء الزور ووعاظ السلاطين.
فكان معاوية يقول في خطبه: (لو لم يرني الله أهلا لهذا الأمر ما تركني وإياه ولو