ثالثا: في المدينة رجع الإمام السجاد إلى المدينة:
ليرى المدينة واجمة، موحشة من أهله وذويه، رجالات أهل البيت عليهم السلام، والناس كذلك واجمون، بعد أن رأوا ركب أهل البيت يرجع ليس فيهم إلا علي بن الحسين عليه السلام، وليس معه إلا أطفال ونساء!! أما الرجال فقد ذبحوا على يد العصبة الأموية!؟
وإذا لم يتورع آل أمية من إراقة دم الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هكذا، وفي وضح النهار، وهو من هو! فمن سوف يأمن بغيهم وسطوتهم!؟
إن الإمام السجاد عليه السلام، وهو الوارث الشرعي لدماء كل المقتولين، الشهداء الذين ذبحوا في كربلاء، وهو الشاهد الوحيد على كل ما جرى في تلك الواقعة الرهيبة، لا بد أن عين الرقابة تلاحقه، وتتربص به، وتنظر إلى تصرفاته بريبة واتهام.
والناس - على عادتهم في الابتعاد والتخوف من مواضع التهمة، ومواقع الخطر - قد تركوا علي بن الحسين، وابتعدوا عنه، حتى من كان يعلن الحب لأهل البيت عليهم السلام قبل كربلاء، لم يكد يفصح عن وده بعد كربلاء.
وقد عبر الإمام السجاد عليه السلام عن ذلك بقوله: (ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا) (1) وإذا كان عدد الملتزمين بالولاء الصادق لأهل البيت، في عاصمة الإسلام قليلا إلى هذا الحد، فكيف بالبلدان القاصية عن مركز وجود أهل البيت عليهم السلام؟!
وقد رجع الإمام السجاد عليه السلام حاملا معه أعباءا ثقالا:
فأعباء كربلاء، بمآسيها، وذكرياتها، وأتعابها، وجروحها، والأثقل من كل ذلك (أهدافها) ونتائجها، فقد هبط المدينة وهو الوحيد الباقي من رجال تلك المعركة،