فرض الإمامة وواجب الولاية تجاه الدين والأمة، مع اقتران المهمة بظروف صعبة وحرجة للغاية، حيث ملئت الأجواء بالرعب والردة والانحراف عن القيم والموازين والأعراف، سواء الدينية، أم الأخلاقية، بل حتى الإنسانية!
إن ما بذله الإمام عليه السلام في سبيل القيام بالمهمة تم بأفضل ما يتصور، فقد رسم لمخططاته خطة عمل ناجحة بحيث مهد الأرضية لتجديد معالم التشيع، ممثلا لكل ما للإسلام من مجد وعدل وعلم وحكمة، لهو عمل عظيم، يدعو إلى الإعجاب والفخر والتمجيد، ويجعل من الإمام عليه السلام في طليعة القواد السياسيين الخالدين.
ولقد حق له عليه السلام أن يكلل تلك الحياة العظيمة بالطمأنينة التي ملأت وجوده الشريف عندما حضر، فأغمض عينيه حين الوفاة، وفتحهما ليقول كلمته الأخيرة، فيقرأ * (الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض، نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين) *. [سورة الزمر (39) الآية 74] ثم قبض من ساعته (1).
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
وكما كانت نتائج الثورة الحسينية في كربلاء تتبلور في انتصار الإسلام باستمرار شعائره وعدم تمكن الأعداء من القضاء عليها، بالرغم من استشهاد الصفوة من خيرة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أبو عبد الله الحسين السبط الشهيد عليه السلام وأهل بيته وشيعته، فإن الظلمة لم يتمكنوا من محو الإسلام، بل بقي مستمرا، ممثلا في أذانه وصلاته وكعبته وسائر أصوله وضرورياته.
وقد أعلن الإمام السجاد عليه السلام عن هذه الحقيقة، وأبرز هذه النتيجة في ما أجاب به إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، حين قدم علي بن الحسين عليه السلام وقد قتل الحسين صلوات الله عليه استقبله إبراهيم وقال: يا علي بن الحسين، من غلب؟ وهو مغط رأسه وهو في المحمل - فقال له علي بن الحسين: إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذن ثم أقم (2).
فإن الإمام عليه السلام جعل استمرار الشعائر التي تذكر فيها شهادة التوحيد والرسالة