كان (صلى الله عليه وآله) مشغولا في تقسيم غنائم الحرب يوما، وكانت سياسة تأليف القلوب تقتضي اهتماما أكبر بالمسلمين الجدد من اولي النفوذ الذين كانوا يرون لأنفسهم شخصية متميزة عن الآخرين.
وعندما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعطي كل مسلم حصته كان يلتفت إلى اليمين قليلا، وكأنه كان يكلم أحدا، ثم يعطي الحصة المذكورة، وكان الحاضرون يعتقدون أنه يكلم جبريل (عليه السلام).
خال بعض المتظاهرين بالقداسة أن طريقة تقسيم الغنائم غير عادلة، لذا عزم أحدهم على أن ينتقد النبي بشدة أمام الصحابة. وهذا الشخص هو ذو الخويصرة من قبيلة بني تميم. كان طويل القامة، أسود الوجه، غائر العينين، مشرف الحاجبين، محلوق الرأس، على جبهته آثار السجود. فتقدم والنبي (صلى الله عليه وآله) مشغول بالتقسيم، ولم يسلم عليه وسلم على الحاضرين. ثم ذكره باسمه، وخاطبه خطابا مهينا، فقال:
" يا محمد، والله ما تعدل! ".
غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذا النقد الجاهل والموقف الفظ المهين. ولم يكن غضبه بسبب انتقاده الجافي لشخصه، بل لأن مثل هذا الانتقاد الصادر من هؤلاء " المتنسكين " يمكن أن يقدح في النبوة والإسلام، ويزعزع النظام الإسلامي.
أجل، بانت آثار الغضب على المحيا الملكوتي لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبينما كانت وجناته قد احمرت من شدة الغضب أجابه بهدوء:
" ويحك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟! ".
وامتعض الحاضرون أشد الامتعاض من هذا الموقف الفظ، واستأذنوا نبيهم في قتله.
فقال لهم نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله): لا، لا أريد أن يسمع المشركون أني قتلت أصحابي...
فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن