تصل إليكم شكاوى كثيرة في هذا المجال.
فتفضل (رحمه الله) علي كثيرا إذ أجابني بجواب لا ضرورة لذكره هنا.
أجل، إن المدير الكفوء - من منظار الإسلام - هو الذي ينأى عن الاستبداد، ويحترم آراء الآخرين، ويشاور اولي الرأي الحصيف، ولكنه في الوقت نفسه يحافظ على استقلاله عند اتخاذ القرار المناسب. أي: إذا رأى أن ما قاله المشاور صحيح عمل به، وإلا عمل برأيه في كل ما يعتقده صحيحا.
وهذا الدرس الإداري النفيس علمناه نهج البلاغة:
كان عبد الله بن عباس من صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام) العلماء وذوي الرأي الحصيف، وكان - ككثير من أمثاله - يتوقع من الإمام أن يعمل حسب رأيه. وقد أبدى رأيا في موضوع يظنه في مصلحة الإمام - لم يرد شرحه في نهج البلاغة - فلم يوافقه الإمام على رأيه، فأصر ابن عباس، فقال له الإمام (عليه السلام):
" لك أن تشير علي، وأرى، فإن عصيتك فأطعني " (1).
النقطة المهمة الواردة في ذيل كلام الإمام (عليه السلام) هي أن المشاور لا يحق له أن يفرض رأيه على القائد، بل إذا اتخذ القائد القرار المناسب وأعلن عن رأيه فعليه وعلى نظرائه الذين يفكرون مثله أن يعملوا بما يرتئيه القائد، شأنهم في ذلك شأن سائر الناس.
من هنا، لا تكون الولاية المطلقة للفقيه في النظام الإسلامي بمعنى الاستبداد، بل تعني " الاستقلال في الرأي "، بالمفهوم الذي مر شرحه.
بعبارة أوضح: الفقيه الجامع لشروط القيادة في النظام الإسلامي هو المسؤول الأصلي للنظام، وهو المسؤول أمام الخلق اليوم والمسؤول أمام خالقهم غدا. وهو الذي يتولى صيانة مكاسب الثورة، وتنمية القيم الإسلامية وتنضيجها. والسلطات