وقد صور الإمام (عليه السلام) الواقع المر بعد مقتل عثمان وإقبال الناس عليه لمبايعته، فقال:
" دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم اصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا " (1).
يا عجبا! إن من يرى نفسه خليفة النبي بلا فصل، ومن كان يعبر عن ظلامته - بل ظلامة الإسلام - بكلام يحرق القلب حيثما اقتضى ذلك خلال السنين الخمس والعشرين التي أمضاها بعيدا عن الخلافة، يرفض بيعة الناس ويقول لهم: " دعوني والتمسوا غيري "، في حين قد أقبلوا عليه بأرواحهم وقلوبهم وقلدوه أمرهم وأصروا عليه أن يتولى قيادتهم! وهو يطلب منهم أن يتركوه وحاله، ويبايعوا غيره، ويعمل هو كأحد الناس، ولعله أطوعهم لولي أمرهم! وأخيرا يخبرهم أنه لهم وزيرا خير لهم منه أميرا! لماذا؟!
لقد عرض (عليه السلام) نفسه السبب الذي دعاه إلى رفض قيادة الأمة الإسلامية، وهو الحالة التي كان عليها المجتمع يومئذ.
فقد ظهرت تحريفات كثيرة في المجتمع الإسلامي بعد ربع قرن على وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلقت بالإسلام الأصيل شوائب جمة كالغمائم السوداء التي تحجب شمس الإسلام الحقيقي وتظلم مسير معرفة الحقيقة، وكان الناس ينتظرون منه أن يقودهم في نفس الطريق الذي ألفوه عدد سنين، أما الطريق الجديد فلا ينسجم مع طبيعتهم، وهو كما قال (عليه السلام): " لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول ".