من الضروري الالتفات إلى هذه النقطة للتعرف على أسس القيادة في الإسلام.
وتدل دراسة لتاريخ النبي (صلى الله عليه وآله) في مجال معرفة الناس على أنه كان أعرف الأمة بالخصائص الروحية والأخلاقية والثقافية والسياسية والاجتماعية لأفرادها. فاسلوب الدعوة في بدايتها، والنضال ومرحليته، وتعامله الخاص والعام مع الناس، كل ذلك يبين حقيقة معرفته بالناس.
إن أفضل دليل على ما نقول قدرته (صلى الله عليه وآله) الفائقة العجيبة على إحداث التبدل السريع الشامل في ثقافة مجتمع إبان عصر البعثة.
فالثورة التي قادها (صلى الله عليه وآله) في المجتمع المتخلف يومئذ وأثمرت سريعا لا يمكن أن تتحقق بلا معرفة سديدة ودقيقة بالناس.
ولما كان يعرف الناس جيدا ويخبر قابلياتهم الفكرية والروحية والأخلاقية والعاطفية جيدا فقد كان قادرا على أن يكلم كل أحد ويتعامل معه بمقدار ما يستوعبه فكريا وروحيا، وهكذا مارس دورا قياديا شعبيا قويا فائقا. ولا جرم أن الأنبياء (عليهم السلام) جميعا كانوا يتسمون بهذه الصفة.
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
" ما كلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) العباد بكنه عقله قط. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنا معاشر الأنبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم " (1).
وروي أن قوما أسارى جئ بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بضرب أعناقهم. ثم أمره بإفراد واحد منهم وأن لا يقتله، فقال الرجل: لم أفردتني من أصحابي والجناية واحدة؟! فقال:
" إن الله عز وجل أوحى إلي أنك سخي قومك وأن لا أقتلك ".