وهكذا جاء إعلان النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام وليا وخليفة وإماما للأمة من بعده، فصيحا صريحا في خطبة خاصة، وفي مكان لا ينسى، حيث أوقف النبي الحجيج في حر الظهيرة في غير منزل، ورفع بيد علي.. الخ.
كان هذا العمل النبوي تتويجا لما بلغه عن ربه عز وجل في أهل بيته.. وقد تحملته قريش على مضض كبير، وما كان لها أن تتحمله لولا أن الله تعالى عصم نبيه من ردة فعلها، وقال له: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الظالمين). ولا يتسع المجال لبحث نص الخطبة النبوية وأسانيدها ودلالتها.. وقد تكفلت بذلك مصادر الحديث والكلام، ومن أقدمها كتاب (الولاية) للطبري السني، ومن أواخرها كتاب (الغدير) للعلامة الأميني رحمه الله.
* * يوم الغدير.. فرحت فاطمة الزهراء واطمأنت، فقد أكمل الله دينه وأتم نعمته، عليها وعلى الأمة بولاية بعلها علي والأئمة المعصومين من أولادها وأقام النبي الحجة على الأمة فأبلغها ذلك، وأعلن عليا وليا من بعده..
لكن فاطمة أوفر عقلا وأبعد نظرا، من أن تؤخذ بسكوت قريش، أو ببيعتها لعلي وتهنئة ها له، أو ببخبخة زعيمها الجديد عمر بن الحطاب، الذي اتفقت عليه بطون قريش ليقوم بنزع الخلافة من بني هاشم ويعطيها لهم!
لقد كانت فرحة فاطمة بمنطقها ومنطق أبيها، الذي هو أعلى من منطق اللعب السياسية القرشية.. كان فكر النبي صلى الله عليه وآله ربانيا بمستوى أعلى من البيعة.. بمستوى الأمر الإلهي والاختيار الإلهي، الذي لا خيرة فيه لأحد، ولا محل فيه للبيعة، إلا إذا طلبها من الناس النبي أو الوصي فتجب.