فإن دماءكم أموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا لا يجنى جان إلا على نفسه. ولا يجنى والد على ولده، ولا مولود على والده. ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا. ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم، فيرضى بها... ألا يا أمتاه هل بلغت؟ ثلاث مرات. قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. ثلاث مرات). ونحوه في سنن الترمذي: 3 / 313، وقال: هذا حديث حسن صحيح ورواه أيضا في السنن الكبرى: 2 / 445.
وقال في تحفة الأحوذي: 6 / 315: (قال الطيبي رحمه الله قوله فيما تحتقرون، أي مما يتهجس في خواطركم وتتفوهون عن هناتكم وصغائر ذنوبكم، فيؤدي ذلك إلى هيج الفتن والحروب، كقوله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد يئس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم). انتهى.
وفي ذلك إلفات نبوي إلى قاعدة مهمة في السلوك الفردي والاجتماعي، وهي أن الانحراف يبدأ بأمر صغير، أو أمور تبدو بسيطة يحتقرها الإنسان ولا يراها مهمة في ميزان التقوى.. وإذا بها تستتبع أمورا أخرى، وتجره إلى هاوية الهلاك الأخروي أو الدنيوي!
وهو أمر مشاهد في حالات الهلاك الفردي والاجتماعي.. فقد يتسامح المسلم في النظر إلى امرأة أجنبية تعجبه، ثم يتسامح في الحديث معها، ثم في التصرف.. حتى ينجر أمره إلى الفاحشة! وقد يتسامح في اتخاذ صديق سوء، ولا ينصت إلى صوت ضميره الديني، ولا نصح ناصحيه.. حتى يغرق معه في بحر ظلمه للناس، أو بحر رذيلته!