عن فراقه، ويخرجها من بكائها وحزنها العميق.. أن النبي قال لها لا تخافي يا فاطمة، إن مدة بقائك بعدي قليلة (أنت أول أهل بيتي لحوقا بي)! فتنفست فاطمة الصعداء، وتوقفت دموعها الغزار وتبسمت تبسم الرضا.. قالت عائشة: (فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله شيئا، فلما رآها رحب بها فقال مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأى جزعها سارها الثانية، فضحكت! قالت عائشة: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن! وسألتها عما قال لها النبي فقالت إنه بشرها بأنها ستلحق به عما قريب!
(2) والأمر الآخر الذي كان يشغل ذهن الصديقة الزهراء عليها السلام.. هو فتنة الأمة الحتمية بعد أبيها، والعاصفة التي يعد لها زعماء قريش ليل نهار، ليحرفوا سفينة الاسلام عن مجراها الرباني الهادي.. إلى مجرى قبلي خشن! لقد أخبرها النبي صلى الله عليه وآله بأن ذلك قضاء الله تعالى على هذه الأمة كما كان قضاؤه على الأمم السابقة بعد أنبيائها.. أن يعطيها الحرية والقدرة على اختيار الضلال، ما دامت لم ترتفع إلى مستوى عقلاني تفهم فيه الفرق بين القيادة المعينة من الله تعالى، والمعينة من القبيلة الغالبة..! كلا بل إن زعماءها فهموا ذلك ووعوه، لكن حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، فاختاروا منطق القبائل والأطماع، على منطق النص النبوي!
لقد أعد النبي فاطمة وعليا والحسنين لمرحلة ما بعده.. فلا تنقصهم المعلومات، ولا التوجيهات، ولا اليقين بما سيكون.. فقد حكاه الله لنبيه فحكاه لهم، فآمنوا به على مستوى الحس لا الحدس.. وأخذ عليهم النبي