ورأى معاوية أن يحاول استمالة بعض أصحاب علي، ممن كانت له بهم مودة من قبل، فأرسل أخاه عتبة إلى الأشعث بن قيس فنادى الأشعث فقال: سلوا هذا المنادي من جيش معاوية من هو؟ قال عتبة: أنا عتبه بن أبي سفيان، قال الأشعث:
غلام مترف ولا بد من لقائه.
فلما خرج إليه سأله: ما عندك يا عتبة؟ قال عتبة: أيها الرجل إن معاوية لو كان لاقيا رجلا غير علي للقيك، إنك رأس أهل العراق، وسيد أهر اليمن، وقد سلف من عثمان إليك ما سلف من الصهر والعمل، لست كأصحابك، أما الأشتر فقتل عثمان، وأما عدي فحرض عليه، وأما شريح وابن قيس فلا يعرفان غير الهوى، وإنك حاميت عن أهل العراق تكرما، ثم حاربت أهل الشام حمية، وقد بلغنا والله منك ما بلغنا، وبلغت منا ما أردت، وإنا لا ندعوك إلى ترك علي ونصر معاوية ولكنا ندعوك إلى البقية (أن تبقوا علينا ولا تستأصلونا)، التي فيها صلاحك وصلاحنا.
فقال الأشعث: يا عتبة، أما قولك أن معاوية لا يلقى إلا عليا فإن لقيني والله ما عظم مني ولا صغرت عنه، فإن أحب أن أجمع بينه وبين علي فعلت، وأما قولك أني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن، فإن الرأس المتبع والسيد المطاع هو علي ابن أبي طالب عليه السلام، وأما ما سلف من عثمان إلي فوالله ما زادني صهره شرفا، ولا عمله عزا، ما عيبك أصحابي فإن هذا لا يقربك مني ولا يباعدني عنهم، وأما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه، وأما البقية (الإبقاء على المقاتلين وعدم استئصالهم) فلستم بأحوج إليها منا.
فلما روى عتبة لأخيه معاوية ما قاله الأشعث قال: يا عتبة لا تلقه بعدها فإن الرجل عظيم عند نفسه، وإن كان قد جنح للسلم.
على أن معاوية رأى يحاول مع غير الأشعث، مع رجل له عند علي حظوة ومكان، وله على أصحابه سلطان، فلم يجد غير عبد الله بن عباس، فقال معاوية لمستشاره عمرو بن العاص: إن رأس الناس بعد علي هو عبد الله بن عباس، فلو