ولقد يراهم يسرفون في العبادة، فيعلمهم، القصد، ويحملهم على الاعتدال، وإنهم لفي طاعته لا يردون له أمرا.
عمار مثلهم من المساكين، يعاني ما يعانون، ولقد تعلم من الإمام علي لونا من الزهد جعله لا يرضى الدنية في دينه، هذا اللون من الزهد الذي يملأ قلوب المؤمنين حبا للحقيقة، ويجعل المتقين أقوى من الإغراء، ويجعل المساكين فقراء إلى الله حقا، أغنياء عن الناس.
وقد علم عمار تلاميذه من القراء كل ما تعلمه من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن علي كرم الله وجهه، فلما وجدهم يغالون في الزهد، علمهم ما تعلمه من الرسول: لا رهبانية في الإسلام، ورهبانية أمتي الجهاد. الدفاع عن قيم الإسلام الفاضلة: عن الحق والعدل والإحسان، الدفاع عن كل أولئك جهاد في سبيل الله، هكذا علم عمار أتباعه القراء.
وما زال ثناء الرسول عليه في كل ما شهده مع الرسول من مواقع، ما زال هذا الثناء يمنحه القدرة على القتال، وإنه اليوم ليجاهد تحت راية علي، هؤلاء الذين جاهدهم هم وآباءهم من قبل تحت الراية نفسها في زمن الرسول في مواقع كثيرة، ما واحدة منها بأزكى من الأخرى ولا بأزكى من هذه كما قال، وهاهم أولاء أصحاب علي من حوله يحملون حملة صدق، فيزيلون جند معاوية عن مواقعهم، وتضطرب صفوفهم، وها هو ذا معاوية في آخر صف يحميه فرسان الشام الدارعون، ولكن خالد بن معمر أمير هذا الرهط من فرسان علي يزحف على فرسان معاوية وهم يتقهقرون فرقا. وهاهو ذا يكاد يفضي إلى سرادق معاوية ويزيل قبته العالية، فإذا بمعاوية يهرب منهزما ويختفي، ليرسل إلى خالد يسأله ألا يتقدم بعد، وألا يغامر بحياته، فما عساه يكسب من علي.
إن معاوية ليعده بأن يوليه خراسان إن هو توقف عن الزحف، وإن معاوية ليهدي خالدا من التبر ما لا يستطيع أن يحصل على ذرة منه من أبي تراب، ويتوقف خالد