عمار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود وزيرا ومعلما، وهما من نجباء أصحاب محمد، فاقتدوا بهما.
واتصلت المودة بين أهل الكوفة وبين ابن مسعود وعمار كليهما رضي الله عنهما، فلما مات ابن مسعود لم يعد لأهل الكوفة شيخ إلا عمار.
وكان عمار حيثما مضى من أرض الإسلام أحبه الناس، وتمثلوا بصلابته في الحق، وحسن بلائه في سبيل الله، هكذا أحبه المصريون حين جاء إلى مصر، وأحبه أهل العرق.
سألوا عنه ابن عباس فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الدعوة يمر بعمار وأمه (سمية) وأبيه ياسر وهم يعذبون في رمضاء مكة فيقول: (صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة) وكان المشركون يبلغون من المسلمين في العذاب ما يعذرون به على ترك دينهم، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا، من شدة الضر الذي به حتى أنه ليعطيهم ما سألوه من الفتنة، وحتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله، فيقول: نعم.
ولقد عذبوا سمية أم عمار على الإسلام، وهي تأبى ما يريدون، حتى قتلوها، فكانت أول من استشهد في الإسلام. وأخذ المشركون عمارا فعذبوه، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فأتى الرسول باكيا، فقال الرسول: ما وراءك، قال: شر يا رسول الله، ما تركوني حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. قال الرسول: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، قال:
فإن عادوا لك فعد لهم، فنزلت فيه الآية الكريمة من سورة النحل: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
وعمار الآن في نحو التسعين، وما زال قادرا على القتال والجهاد في سبيل الله.
أسمر، طويل القامة، أبيض اللحية، سريع الخطوات على الرغم من شيخوخته، نشط، جليل، مهيب. وإنه لمطاع الكلمة عنه الصحابة، يتبعه القراء فيما يقول،