ويحك يا معاوية، أبرز إلي ولا تفن العرب بيني وبينك، فقال له عمرو بن العاص:
اغتنمه وهو مجهد فإنه قد أثخن بقتل هؤلاء الأربعة.
فقال له معاوية: والله لقد علمت أن عليا لم يقهر قط، إنما أردت قتلي لتصيب الخلافة بعدي.
اشتد القتال من جديد، والإمام يدعو الله: اللهم إليك رفعت الأبصار وبسطت الأيدي، ونقلت الأقدام، ودعت الألسن، وأفضت القلوب، فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين، اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وقلة عددنا، وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا، وشدة الزمان، وظهور الفتن، أعنا عليهم بفتح تعجله، ونصر تعزبه سلطان الحق وتظهره.
ثم قال لأصحابه: قال الله تعالى لقوم (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل) وإذن لا تمتعون إلا قليلا، وأيم الله لئن فررتم من سيف الدنيا لا تسلمون من سيف الأخرى.
تضرجت السيوف والحراب من مهج المسلمين، وتطايرت الرؤوس وسقط القتلى، فصاح الإمام مرة أخرى: يا معاوية! فقال معاوية: اسألوه ما شأنه، قال الإمام: أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة، فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص، فقال: يا معاوية! ويحك علام تقتيل الناس بيني وبينك؟ أبرز إلي فأينا يقتل صاحبه فالأمر له، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى أبا عبد الله؟ أأبارزه؟ قال عمرو:
اعلم أنه إن نكلت مرة أخرى لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، قال معاوية: يا عمرو بن العاص، ليس مثلي يخدع عن نفسه، والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه، والله إن تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي.
ثم انصرف معاوية راجعا ومعه عمرو، فاختبئا في آخر الصفوف.
فضحك الإمام، ووقف عبد الله بن عباس يخطب المقاتلين فكان مما قاله: لقد